للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويلتمسون الخلاص فيما شق عليهم من تكاليفه، ويعتذرون بالمعاذير الكاذبة للهرب من القيام بشيء منها.

٤٦ - وقد جاء في بعض الروايات: أن عدد هؤلاء كان تسعةً وثلاثين رجلًا {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ} إلى الغزو معك {لَأَعَدُّواْ له}؛ أي: لهيؤوا للخروج {عُدَّةً}؛ أي: أهبةً من الزاد والراحلة والسلاح ونحو ذلك، مما يحتاج إليه المسافر لمثل هذا السفر البعيد، وقد كانوا مستطيعين لذلك ولم يفعلوا {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ}؛ أي: ولكن لم يرد نهوضهم للخروج معك {فَثَبَّطَهُمْ}؛ أي: حبسهم بالكسل.

أي: ولو (١) كانوا صادقين فيما يدعونه ويخبرونك به من أنهم يريدون الجهاد معك .. لأعدوا له عدة، ولكن لم يكن معهم من العدة للجهاد ما يُحتاج إليه، لما تركوا إعداد العدة وتحصيلها قبل وقت الجهاد، كما يستعد لذلك المؤمنون، فمعنى الكلام: أنهم لم يريدوا الخروج أصلًا ولا استعدوا للغزو عدةً، ولكن كره الله انبعاثهم وخروجم، فتثبطوا عن الخروج، فيكون المعنى: ما خرجوا, ولكن تثبطوا؛ لأن كراهة الله انبعاثهم، تستلزم تثبطهم عن الخروج، والانعباث: الخروج؛ أي: حبسهم الله عن الخروج معك، وخذلهم؛ لأنهم قالوا: إن لم يؤذن لنا في الجلوس .. أفسدنا وحرضنا على المؤمنين، وقيل المعنى: لو أرادوا الخروج .. لأعدوا له عدة، ولكن ما أرادوه؛ لكراهة الله له.

والانبعاث في الأصل (٢): توجيه الإنسان أو الحيوان إلى الشيء بقوة، كبعث الرسل وبعث الموتى، والتثبيط: التعويق عن الأمر والمنع منه.

والخلاصة: كره الله نفيرهم وخروجهم مع المؤمنين، لما فيه من الضرر العائق لهم عما أحبه من نصرهم، فثبطهم بما أحدث في قلوبهم من المخاوف التي هي مقتضى سننه من تأثير النفاق فيها، ومن ثم لم يعدوا للخروج عدته،


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.