للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٧ - {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}: والفرق (١) بين الكذب والافتراء: هو أن الافتراء افتعال الكذب من قول نفسه، والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه. وقاله هنا بتعريف الكذب إشارة إلى قول اليهود: {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}، وقاله في مواضع بالتنكير، كقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} جريًا على الأكثر من استعمال المصدر منكرًا.

والاستفهام فيه للإنكار؛ أي: وأي الناس من المفترين أشد ظلمًا وأكثر جرمًا ممن اختلق على الله الكذب بنسبة الشريك والولد والصاحبة إليه؟ {وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ}؛ أي: والحال أنه يدعى إلى الإِسلام الذي يوصله إلى سعادة الدارين، فيضع موضع الإجابة الافتراء على الله بقوله لكلامه الذي هو دعاء عباده إلى الحق: هذا سحر. فاللام في {الْكَذِبَ} للعهد؛ أي: لا أحد من المفترين أظلم منه؛ أي: وهو أظلم من كل ظالم، وإن لم يتعرض ظاهر الكلام لنفي المساوىء. ومن الافتراء على الله: الكذب في دعوى النسب، والكذب في الرؤيا، والكذب في الإخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

واعلم: أن الداعي في الحقيقة هو الله سبحانه، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} بأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}.

قرأ الجمهور (٢): وهو {يُدْعَى} مبنيًا للمفعول، من الدعاء. وقرأ طلحة بن مصرف: {يدعي} مبنيًا للفاعل، بفتح الياء وتشديد الدال، من الادعاء، وادعى يتعدى بنفسه إلى المفعول به، لكنه لما ضمن معنى الانتماء والانتساب .. عدي بإلى.

أي: ومن (٣) أشد ظلمًا وعدوانًا ممن اختلق على الله الكذب، وجعل له أندادًا وشركاء، وهو يدعى إلى التوحيد والإخلاص.

وتلخيص المعنى: أو الناس أشد ظلمًا ممن يُدعى إلى الإِسلام والخضوع فلا يجيب الداعي، بل يفتري على الله الكذب بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحرًا. والمراد: أنه أظلم من كل ظالم؛ لأنه قد أهدر عقله، وركب هواه، وألقى الأدلة


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.