للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن يقول بهم بقوله: {قُلْ} يا محمد، لهؤلاء المنافقين {لَا تُقْسِمُوا}؛ أي: لا تحلفوا بالله، على ما تدعون من الطاعة والخروج إلى الجهاد، إن أمرتم به. وهاهنا تمّ الكلام، ثم ابتدأ فقال: {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} وارتفاع طاعة على أنها خبر لمبتدأ محذوف. والجملة (١) تعليل للنهي المذكور؛ أي: لا تقسموا؛ لأن طاعتكم نفاقية، واقعة باللسان فقط، من غير مواطأة من القلب، وإنما عبر عنها بمعروفة، للإيذان بأن كونها كذلك مشهور معروف لكل أحد. كذا في "الإرشاد".

ويجوز أن يكون طاعة مبتدأ خبرها محذوف؛ لأنها قد خصصت بالصفة.

والمعنى: طاعة معروفة بالإخلاص وصدق النية خير لكم، وأمثل من قسمكم باللسان؛ فالمطلوب منكم هي، لا اليمين الكاذبة المنكرة.

وفي "التاويلات النجمية": {قُلْ لَا تُقْسِمُوا} بالكذب قولًا، بل أطيعوا فعلًا. فإنه {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}؛ بالأفعال غير دعوى القيل والقال. وقرأ زيد بن علي واليزيدي {طَاعَةٌ} بالنصب على المصدر لفعل محذوف؛ أي: أطيعوا طاعة. {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} من الأعمال، وما تضمرونه من المخالفة، لما تنطق به ألسنتكم، ومطلع (٢) على سرائركم، ففاضحكم ومجازيكم عليه. والتفت من الغيبة إلى الخطاب؛ لأنه أبلغ في تبكيتهم ,

٥٤ - ولمَّا بكتهم بأنه مطلع على سرائرهم تلطف بهم، فأمرهم بطاعة الله، وطاعة الرسول، وهو أمر عام للمنافقين وغيرهم، فقال: {قُلْ} لهم يا محمد {أَطِيعُوا اللَّهَ} سبحانه بأداء تكاليفه {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} باتباعه طاعةً ظاهرة وباطنةً بخلوص اعتقاد، وصحة نية.

وهذا التكرير منه تعالى (٣)، لتأكيد وجوب الطاعة عليهم، فإن قوله: {لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} في حكم الأمر بالطاعة. وقيل: إنهما مختلفان.

فالأول: نهي بطريق الرد، والتوبيخ. والثاني: أمر بطريق التكليف لهم والإيجاب عليهم.


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.