للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال في "الإرشاد" (١): جهد أيمانهم، نصب على أنه مصدر مؤكد لفعله المحذوف الذي هو في حيز النصب، على أنه من فاعل أقسموا؛ أي: أقسموا بالله تعالى يجهدون أيمانهم جهدًا. ومعنى جهد اليمين: بلوغ غايتها بطريق الاستعارة من قولهم: جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها؛ أي: أقسموا جاهدين بالغين أقصى مراتب اليمين في الشدة والوكادة، فمن قال: أقسم بالله، فقد جهد يمينه. ومعنى الاستعارة: أنه لما لم يكن لليمين وسعٌ وطاقةٌ، حتى يبلغ المنافقون أقصى وسع اليمين، وطاقتها، كان أصله، يجهدون أيمانهم جهدًا، ثم حذف الفعل، وقدم المصدر، فوضع موضعه مضافًا إلى المفعول، نحو فضرب الرقاب، انتهى.

وقيل: هو منتصب على الحال، والتقدير: مجتهدين في أيمانهم، كقولهم: افعل ذلك جهدك وطاقتك جاهدًا. {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ}؛ أي: بالخروج إلى الغزو، فإنهم كانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أينما كنت تكن معك، ولئن خرجت خرجنا معك، وإن أقمت أقمنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا.

{لَيَخْرُجُنّ} إلى الغزو جواب لأقسموا؛ لأن اللام الموطئة للقسم في قوله: {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ} جعلت ما يأتي بعد الشرط المذكور جوابًا للقسم، لا جزاء للشرط. وكان جزاء الشرط مضمرًا، مدلولًا عليه بجواب القسم، وجواب القسم وجزاء الشرط، لما كانا متماثلين، اقتصر على جواب القسم، على القاعدة المشهورة عندهم، عند اجتماع القسم والشرط.

والمعنى: أي (٢) وحلفوا بالله جاهدين أيمانهم بالغين غايتها, لئن أمرتهم بالخروج للجهاد، والغزو .. ليلبن الطلب، وليخرجن كما أمرت.

والخلاصة: أنهم أغلظوا الإيمان، وشددوها في أن يكونوا طوع أمرك ورهن إشارتك، وقالوا: أينما كنت نكن معك، فإن أقمت أقمنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا، فرد الله عليهم وزجرهم عن التفوه بهذه الإيمان الفاجرة، وأمره


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.