٥٤ - ثم بين ما يكون في ذلك اليوم من الحساب بالعدل والقسطاس، فقال:{فَالْيَوْمَ}؛ أي: فيقال للكفار حين يرون العذاب المعد لهم: اليوم؛ أي: يوم القيامة، وهو منصوب بقوله:{لا تُظْلَمُ نَفْسٌ} من النفوس برة كانت أو فاجرة {شَيْئًا} نصب على المصدرية؛ أي: شيئًا من الظلم بنقص الثواب أو زيادة العقاب، أو على أنه مفعول به ثان؛ أي: لا تظلم شيئًا مما تستحقه {وَلا تُجْزَوْنَ} أيها الكفار {إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}؛ أي: إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من الكفر، والمعاصي، والأوزار. فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما، كأنهما شيء واحد، أو إلا بما كنتم تعملونه؛ أي: بسببه أو في مقابلته.
فقوله:{لا تُظْلَمُ نَفْسٌ} ليأمن المؤمن. وقوله:{وَلا تُجْزَوْنَ} إلخ لييأس الكافر. فإن قلت: ما الفائدة في إيثار طريق الخطاب عند الإشارة إلى يأس المجرم، والعدول عن الخطاب عند الإشارة إلى أمان المؤمن؟
فالجواب: أن قوله: {لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} يفيد العموم. وهو المقصود في هذا المقام، فإنه تعالى لا يظلم أحدًا مؤمنًا كان أو مجرمًا. وأما قوله:{لا تُجْزَوْنَ} فإنه يختص بالكافر، فإنه تعالى يجزي المؤمن بما لم يعمله من جهة الوراثة، ومن جهة الاختصاص الإلهي، فإنه تعالى، يختص برحمته من يشاء من المؤمنين، بعد جزاء أعمالهم فيوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله أضعافًا مضاعفة.
أي: ففي هذا اليوم الرهيب، يوم القيامة، لا تبخس نفس جزاء ما عملت من خير أو شر، ولا يحمل عليها وزر غيرها، بل توفى كل نفس أجر ما عملت من صالح، ولا تعاقب إلا بما اكتسبت من طالح جزاءً وفاقًا لما عملت في الدنيا.
وهذا حكاية لما سيقال لهم حين يرون العذاب، المعد لهم تحقيقًا للحق، وتقريعًا لهم، وتوبيخًا عليهم.