خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل العذاب .. ما أفلت إلا عمر".
٦٩ - وبعد أن عاتبهم الله سبحانه وتعالى على أخذ الفداء .. أباح لهم أكل ما أخذوه، وعدَّه من جملة الغنائم التي أباحها لهم في أول السورة، فقال:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ} والفاء فيه عاطفة على محذوف، تقديره: قد أبيحت لكم الغنائم، فكلوا من كل ما غنمتم وأخذتم من الكفار قهرًا، سواء كان من الفدية المذكورة أو غيرها حالة كونه {حَلَالًا} لكم بإحلاله سبحانه لكم، وحالة كونه {طَيِّبًا}؛ أي: مستلذًا في نفسه، لا خبث فيه، مما حرم لذاته، كالدم، ولحم الخنزير. روي أنهم أمسكوا عن الغنائم في بدر، ولم يمدوا أيديهم إليها حتى نزلت هذه الآية.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} في مخالفة أمر ونهيه في المستقبل؛ أي: خافوا عقاب الله في أن تعودوا إلى أكل شيء من أموال الناس، كفارًا كانوا أو مسلمين قبل أن يحله لكم ربكم {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {غَفُورٌ} لذنبكم، بأخذ الفداء وإيثار جمهوركم لعرض الدنيا على ما يقتضيه إيثار الآخرة من طلب الإثخان أوَّلًا، لإعزاز الحق وأهله وإذلال الشرك وكبت حزبه {رَحِيمٌ} بكم؛ إذ أباح لكم ما أخذتم وأباح لكم الانتفاع به.
وخلاصة ما تقدم من الآيات: أنه ليس من سنة الأنبياء ولا مما ينبغي لأحد منهم أن يكون له أسرى يفاديهم أو يمن عليهم إلا بعد أن يكون له الغلب والسلطان على أعدائه وأعداء الله الكافرين؛ لئلا يفضي أخذه فداء الأسرى إلى ضعف المؤمنين وقوة أعدائهم وجرأتهم عليهم، وما فعله المؤمنون من مفاداة أسرى بدر بالمال .. كان ذنبًا سببه إرادة جمهورهم عرض الحياة الدنيا قبل الإثخان الذي تقتضيه الحكمة بإعلاء كلمة الله تعالى وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، ولولا كتابٌ من الله سبق من عدم عقابهم على ذنب أخذ الفداء قبل إذنه تعالى، وعلى خلاف سننه .. لمسَّهم عذاب عظيم في أخذهم ذلك، وأنَّه أحلَّ لهم ما أخذوا، وغفر لهم ذنبهم بأخذه قبل إحلاله تعالى لهم، والله غفور رحيم.
٧٠ - {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} الكريم والرسول الرحيم {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ} وسلطتكم وقهركم {مِنَ} هؤلاء {الْأَسْرَى} الذين أسرتموهم يوم بدر وأخذتم منهم