للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صببنا في مسامع قلبه رصاص الشقاء والحرمان، لا يمكنك يا محمد مع كمال نبوتك هدايته، وإسماعه من غير عنايتنا السابقة، ورعايتنا اللاحقة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يتعب نفسه في دعاء قومه، وهم لا يزيدون إلا غيًّا وتعاميًا عما يشاهدونه من شواهد النبوة، وتصامًّا عما يسمعونه من بينات القرآن، فنزلت الآية، وهو إنكار تعجب، من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم، بعد تمرنهم على الكفر، واستغراقهم في الضلال، بحيث صار عشاهم عمى مقرونًا بالصمم، فنزل منزلة من يدعي أنه قادر على ذلك لإصراره على دعائهم قائلًا: أنا أسمع وأهدي، على قصد تقوي الحكم، لا التخصيص، فعجب تعالى منه.

ومدار الإنكار هو التمكن والاستقرار في الضلال المفرط، بحيث لا ارعواء له عنه، لا توهم القصور من قبل الهادي، ففيه رمز إلى أنه لا يقدر على ذلك إلا الله وحده بالقسر والإلجاء، يعني: لا يقدر على إسماع الصم وهداية العمي، وجعل الكافر مؤمنًا إلا الله وحده، لعظم قدرته وإحاطة تعلقها بكل مقدور.

ومعنى الآية: أي أفانت (١) تسمع من قد سلبهم الله استماع حججه التي ذكرها في كتابه، أو تهدي إلى طريق الحق، من أعمى قلوبهم عن أبصارها، واستحوذ عليهم الشيطان، فزين لهم طريق الردى.

والخلاصة: أن ذلك ليس إليك إنما ذلك إلى من بيده تصريف القلوب، وتوجيهها إلى حيث شاء، فعليك البلاغ وعلينا الحساب.

٤١ - وبعد أن أيأسه من إيمانهم، سلاه بالانتقام منهم لأجله، إما حال حياته، أو بعد مماته، فقال: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} أصله (٢): إن ما على أن {إن} للشرط و {ما} مزيدة للتأكيد، بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة؛ أي: فإن قبضناك وأمتناك يا محمد، وأذهبناك من الدنيا، قبل أن نبصرك عذابهم، ونشفي بذلك صدرك، وصدر المؤمنين {فَإِنَّا مِنْهُمْ}؛ أي: من هؤلاء المشركين {مُنْتَقِمُونَ} لا محالة في الدنيا والآخرة

٤٢ - {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} أو إن أردنا أن


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.