يختصُّ بهم، إلّا أن له مزيد اختصاص بهم من حيث إن مجاوزة الميقات لا تجوز لهم إلّا بالإحرام {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}؛ أي: المصلِّين إليه من سائر البلدان جمع راكعٍ وساجدٍ؛ لأن القيام، والرُّكوع، والسجود من هيئات المصلِّي، ولتقارب الركوع والسجود ذاتًا وزمانًا، ترك العاطف بين موصوفيهما، والجلوس في المسجد الحرام ناظرًا إلى الكعبة من جملة العبادات الشريفة المرضية، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ لله تعالى في كُلِّ يوم مائةً وعشرين رحمةً، تنزل على هذا البيت ستون للطائفين، وأربعون للمصلّين، وعشرون للناظرين".
واعلم: أنّه تعالى لمّا قال: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} دخل فيه بالمعنى: جميع بيوته تعالى، فيكون حكمها حكمه في التطهير، والنظافة، وإنّما خصَّ الكعبة بالذكر؛ لأنّه لم يكن هناك غيرها، وفي الآية: إيماء إلى أنَّ إبراهيم كان مأمورًا هو ومن بعده بهذه العبادات، ولكن لا دليل إلى معرفة الطريق التي كانوا يؤدُّونها بها. فالمراد بالطائفين: من يقصد البيت حاجًّا، أو معتمرًا، فيطوف به، وبالعاكفين: من يقوم هناك ويجاور فيه، وبالركع السجود: من يصلّي إليه الصلوات الخمس، وغيرها. وروي عن ابن عباس، ومجاهد، وعطاء: إنّ الطواف لأهل الأمصار أفضل، والصلاة لأهل مكة أفضل.
١٢٦ - {و} واذكر يا محمد! لأمّتك قصّة {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} عليه السلام؛ أي: قصّة إذ دعا إبراهيم ربَّه، فقال: في دعائه يا {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا} الوادي الأقفر الخالي عن الأنيس، الذي ليس فيه زرعٌ، ولا ماءٌ، ولا بناءٌ {بَلَدًا} مَسْكنًا {آمِنًا} أي: ذا أمنٍ يأمن فيه أهله من القحط، والجدب، والخسف، والمسخ، والزَّلازل، والجذام، والبرص، ونحو ذلك من المَثُلاَتِ التي تَحُلُّ بالبلاد غيرها، فهو من باب النَّسب؛ أي: بلدًا منسوبًا إلى الأمن كلابن، وتامر، فإنّهما لنسبة موصوفهما إلى مأخذهما، كأنّه قيل: لبنيٌّ وتمريٌّ، فالإسناد حقيقيٌّ، أو المعنى: بلدًا آمنًا أهله، فيكون من قبيل الإسناد المجازي؛ لأنَّ الأمن الذي هو صفةٌ لأهل البلد حقيقةً، قَدْ أُسْنِدَ إلى مكانهم للملابسة بينهما. وكان هذا الدعاء في أوَّلِ ما قَدِم إبراهيم عليه السلام مكة؛ لأنّه لما أسكن إسماعيل وهاجر هناك، وعاد مُتوجِّهًا إلى الشام تبعته هاجر، فجعلت تقول: إلى مَنْ تكلنا في هذا البَلْقَعِ؛ أي: المكانِ الخالي من الماء، والنبات،