للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو فاقد السمع {الدُّعَاءَ} إذا دعوتهم إلى الحق، ووعظتهم بمواعظ الله وذكرتهم الآخرة وما فيها {إِذَا وَلَّوْا} وأعرضوا عن الداعي حال كونهم {مُدْبِرِينَ}؛ أي: تاركين له وراء ظهرهم، فارين منه، وتقييد (١) الحكم بإذا إلخ، لبيان كمال سوء حال الكفرة، والتنبيه على أنهم جامعون لخصلتي السوء، بنبوّ أسماعهم عن الحق، وإعراضهم عن الإصغاء إليه، ولو كان فيهم إحداهما .. لكفتهم، فكيف وقد جمعوهما، فإن الأصم المقبل إلى المتكلم، ربما يتفطن منه بوساطة أوضاعه، وحركات فمه، وإشارات يده ورأسه شيئًا من كلامه، وإن لم يسمعه أصلًا، وأما إذا كان معرضًا عنه .. فلا يكاد يفهم منه شيئًا.

ومعنى الآية: أي (٢) إنك لا تقدر يا محمد أن تفهم هؤلاء المشركين، الذين قد ختم الله على أسماعهم، فسلبم فَهْمَ ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله كما لا تقدر أن تفهم الموتى، الذين سلبوا أسماعهم، بأن تجعل لهم أسماعًا، ولا تقدر أن تهدي من تصاموا عن فهم آيات كتابه، فتجعلهم يسمعونها ويفمونها، كما لا تقدر أن تسمع الصم الدعاء إذا ولوا عنك مدبرين هاربين منك.

٥٣ - ثم أشار إلى تشبيهٍ آخر بقوله: {وَمَا أَنْتَ} يا محمد {بِهَادِ الْعُمْيِ} وصارفهم، جمع أعمى، وهو: فاقد البصر {عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} وخطئهم، متعلق بالهداية، باعتبار تضمنها معنى الصرف سماهم عميًّا إما لفقدهم المقصود والحقيقي من الإبصار، أو لعمى قلوبهم كما في "الإرشاد"، فإنهم ميتون، والميت لا يبصر شيئًا، كما لا يسمع شيئًا، فكيف يهتدي؛ أي: ليس في طوقك أن تهدي من أضله الله، فترده عن ضلالته، بل ذلك إليه وحده، فإنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وليس ذلك لأحد سواه، ففيه بيان أن الهداية والضلالة بيده تعالى لا بيد الرسول.

والخلاصة: أن هذا ليس من عملك، ولا بعثت لأجله.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.