زاد أيضًا، وهو تقوى الله والعمل بطاعته، وهذا الزاد أفضل من الزاد الأول، فإن زاد الدنيا يوصل إلى مراد النفس وشهواتها، وزاد الآخرة يوصل إلى النعيم المقيم في الآخرة، وفي هذا المعنى قال الأعشى:
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقوى ... ولاقيت بعد الموت مَنْ قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله ... وأَنَّك لم ترصد كما كان أرصدا
١٩٨ - {لَيْسَ عَلَيْكُمْ} يا أولي الألباب {جُنَاحٌ}؛ أي: حرج وذنب في {أَنْ تَبْتَغُوا} وتطلبوا {فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}؛ أي: رزقًا من ربكم بالتجارة في الحج، وقرأها ابن عباس في الشاذ {فضلًا من ربكم في مواسم الحج}.
وسبق لك في أسباب النزول ما روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - كانت عكاظ ومجنّة وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فلما كان الإِسلام فكأنهم تأثموا أن يتَّجروا في المواسم، فنزلت هذه الآية، وعكاظ: سوق معروف بقرب مكة، ومَجِنة - بفتح الميم وكسرها -: سوق بقرب مكة أيضًا. قال الأزرقي: هي بأسفل مكة على بريد منها. وذو المجاز: سوق عند عرفة كانت العرب في الجاهلية يتجرون في هذه الأسواق ولها مواسم، فكانوا يقيمون بعكاظ عشرين يومًا من ذي القعدة، ثم ينتقلون إلى مجنة فيقيمون فيها ثمانية عشر يومًا، عشرة أيام من آخر ذي القعدة، وثمانية أيام من أول ذي الحجة، ثم يخرجون إلى عرفة في يوم التروية.
{فَإِذَا أَفَضْتُمْ}؛ أي: ذهبتم ورجعتم {مِنْ عَرَفَاتٍ} وانصرفتم منها بعد الوقوف بها إلى مزدلفة، ففيه دليل على وجوب الوقوف بعرفة؛ لأن الإفاضة لا تكون إلا بعد الوقوف {فَاذْكُرُوا اللَّهَ} بالتلبية والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والثناء والدعوات بعد المبيت بمزدلفة {عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} وهو جبل صغير في آخر مزدلفة يقف عليه الإِمام وعليه المِيقَدة يسمى قُرَح بوزن عُمَر، وفي الحديث:(أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف يذكر الله ويدعو حتى أسفر جدًّا). رواه مسلم.
وإنما سمي مشعرًا؛ لأنه معلم العبادة، ووصف بالحرام لحرمته، ومعنى {عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}: مما يليه ويقرب منه، فإنه أفضل، وإلا فالمزدلفة كلها