ولا مراء ولا خصام مع الخدم والرفقة وغيرهما {فِي} أيام {الْحَجِّ} نفي الثلاثة على قصد النهي عنها للمبالغة، وإنما أمر باجتناب ذلك - وهو واجب الاجتناب - في كل حال؛ لأنه مع الحج أقبح، كلبس الحرير في الصلاة، والتطريب في قراءة القرآن.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {فلا رفثٌ ولا فسوقٌ} بالرفع والتنوين و {ولا جدال} بالفتح، والباقون قرؤوا الكل بالفتح، والمعنى على هذا: لا يكونن رفث ولا فسوق ولا خلاف في الحج، وذلك أن قريشًا كانت تخالف سائر العرب، فتقف بالمشعر الحرام، فارتفع الخلاف بأن أمروا بأن يقفوا بعرفات كسائر العرب، واستدل على أن المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حج فلم يرفث ولم يفسق .. خرج من ذنبه كيوم ولدته أمه" فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر الجدال.
ويروى عن عاصم برفع الثلاثة والتنوين، والعطاردي - شذوذًا - بنصب الثلاثة والتنوين. {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ} كصدقة وكترك المنهي عنه {يَعْلَمْهُ اللَّهُ}؛ أي: يقبله منكم ويجازيكم عليه خير الجزاء، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
ونزل في أهل اليمن وكانوا يحجون بلا زاد، فيكونون كلًّا على الناس {وَتَزَوَّدُوا}؛ أي: خذوا من الزاد ما يكفيكم لسفركم، واتقوا الاستطعام وإبرام الناس والتثقيل عليهم {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ} وأفضله {التَّقْوَى}؛ أي: الاتقاء عن الإبرام، والتثقيل عليهم، والاستعفاف عن سؤالهم؛ أي: فإن خير الزاد ما يعفكم عن سؤال الناس، أو المعنى: تزودوا من التقوى لمعادكم، فإنها خير زاد، وهي فعل المأمورات وترك المنهيات {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}؛ أي: خافوا عقابي بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات يا أصحاب العقول الكاملة الذين يعلمون حقائق الأمور، وقيل معناه: واشتغلوا بتقواي، وفيه: تنبيه على كمال عظمة الله جل جلاله.
واعلم: أن الإنسان لا بد له من سفر في الدنيا ولا بد فيه من زاد، ويحتاج فيه إلى الطعام والشراب والمركب، وسفر من الدنيا إلى الآخرة، ولا بد فيه من