عقابه، وأليم عذابه، ولم نرسلهم ليقترح عليهم الظالمون من أممهم الآيات بعد ظهور المعجزات، ويطلبوا منهم ما لا قبل لهم به، ثم ذكر أن من شأن المشركين كثرة الجدل للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال:
{وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} كلام مستأنف، فالوقف على {وَمُنْذِرِينَ}، أي: يجادلون ويخاصمون الرسل المبشرين والمنذرين {بِالْباطِلِ} حيث يقولون: {ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا}{وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} ويقترحون آيات بعد ظهور المعجزات، تعنّتًا {لِيُدْحِضُوا}؛ أي: ليزيلوا {بِهِ}؛ أي: بالجدال {الْحَقَّ} الذي مع الرسل عن مقره ومركزه، ويبطلوه. مأخوذٌ من إدحاض القدم، وهو إزلاقها عن موطنها، والدحض الزلق؛ أي: ويجادل أولئك المشركون بالباطل كقولهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أخبرنا عن فتية ذهبوا أوّل الدهر ما شأنهم؟ وعن الرجل الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وعن الروح، وما أشبه ذلك مما يقصد منه التعنت وإزالة الحقّ الذي جاء به الرسل عليهم السلام، لا كشف حقيقة تفيد في دين أو دنيا.
وخلاصة ذلك: أن الرّسل ما أرسلوا للجدل والشغب بالباطل، بل بعثوا للبشارة والإنذار، وأنتم تجادلون بالباطل لتدحضوا الحق الذي جاءكم به رسولي.
{وَاتَّخَذُوا آياتِي} الدالة على الوحدة والقدرة ونحوهما {وَما أُنْذِرُوا}؛ أي:
خوّفوا به من العذاب {هُزُوًا}؛ أي: سخرية يعني موضع استهزاء (١) فيكون من باب الوصف بالمصدر مبالغة، يقرأ بالواو، وبالهمز سبعيتان، والمعنى؛ أي:
واتخذوا الحجج الّتي أحجّ بها عليهم، وكتابه الذي أنزل إليهم، والنذر التي أنذروا بها من العذاب والعقاب، استهزاء وسخريةً كقولهم: {وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)} وقولهم: {لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا}.
٥٧ - ولما حكى عنهم خبيث أحوالهم، وصفهم بما يوجب الخزي والنّكال