للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نعوذ بالله من ذلك

١٠٤ - {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ} خبر مبتدأ محذوف، كأنه قيل: من هم؟ فقيل: هم الذين ضل؛ أي: ضاع وبطل سعيهم وجهدهم في إقامة الأعمال الحسنة {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} متعلق بالسعي لا بالضلالة، لأن بطلان سعيهم غير مختص بالدنيا {وَهُمْ} أي: ضل سعيهم والحال أنهم {يَحْسَبُونَ}؛ أي: يظنون {أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}؛ أي: يعملون عملًا ينفعهم في الآخرة؛ أي (١): يحسبون أنهم يعملون ذلك، على الوجه اللائق، وذلك لإعجابهم بأعمالهم التي سعوا في إقامتها، وكابدوا في تحصيلها.

وفي الآية: إشارة إلى أهل الأهواء والبدع، وأهل الرياء والسمعة، فإن اليسير من الرياء شرك، وان الشرك محبط الأعمال، لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} والمعنى (٢): قل لهم يا محمَّد: هل نخبركم بالذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبغون به ثوابًا وفضلًا، فنالوا به هلاكًا وبوارًا، كالمشتري سلعةً يرجو بها ربحًا، فخاب رجاؤه، وخسر بيعته، ووكس في الذي رجا فضله.

وخلاصة ذلك: أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به، وظنوا أنهم بفعلهم هذا مطيعون له، وأنهم يحسنون صنعًا، ثم استبان لهم أنهم كانوا مخطئين، وفي ضلال مبين، وأن سعيهم الذي سعوه في الدنيا ذهب هباءً، فلم يجدهم نقيرًا ولا قطميرًا.

١٠٥ - ثم بيَّن السبب في بطلان سعيهم فقال: {أُولَئِكَ} الموصوفون بما ذكر من ضلال سعيهم مع الحسبان المذكور هم {الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ}؛ أي: بدلائله الداعية إلى توحيده عقلًا ونقلاً {و} كفروا بـ {لِقَائِهِ} سبحانه وتعالى بالبعث وما يتبعه من أمور الآخرة، على ما هي عليه {فَحَبِطَتْ}؛ أي: ضاعت وبطلت بذلك {أَعْمَالُهُمْ} التي عملوها مما يحسبونها حسنة حبوطًا كليًا، فلا يثابون عليها، وذلك خسران وضلالٌ مبين.

وقرأ ابن عباس وأبو السمال (٣): {فحبطت} بفتح الباء، والجمهور


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.