للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٦٤ - ثم بيّن سبحانه أوصاف هذه الشجرة، ردًا على منكريها، فقال: {إِنَّها}؛ أي: إن هذه الشجرة الموسومة بالزقوم {شَجَرَةٌ تَخْرُجُ}؛ أي: تنبت {فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}؛ أي: في قعر جهنم وأسفلها، فمنبعها في قعرها، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها، ولما كان أصل عنصرها النار لم تحرق بها كسائر الأشجار، ألا ترى، أن السمك لما تولد في الماء لم يغرق، بخلاف ما لم يتولد فيه.

ولعل (١) هذا رد على ابن الزبعرى وصناديد قريش، وتجهيل لهم حيث قال ابن الزبعرى لهم: إن محمدًا يخوفنا بالزقوم، والزقوم بلسان البربر، الزبد والتمر، فأدخلهم أبو جهل بيته وقال: يا جارية زقمينا، فأتتهم بالزبد والتمر، فقال استهزاءً: تزقموا فهذا ما توعدكم به محمد، فقال: {إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) أي: فليس الزقوم ما فهم هؤلاء الجهلة الضلال.

٦٥ - {طَلْعُها}؛ أي: حملها وثمرها الذي يخرج منها ويطلع، مستعار من طلع النخلة، لمشاركته له في الشكل والطلع كما سيأتي: شيء يخرج من النخل، كأنه نعلان مطبقان، والحمل بينهما منضود، قالوا أول الثمر: طلع ثم خلال، ثم بلح، ثم بسر، ثم رطب، ثم تمر، اهـ أبو السعود. {كَأَنَّهُ}؛ أي: كأن ذلك الطلع وثمره في تناهي قبحه وشناعة منظره {رُؤُسُ الشَّياطِينِ}؛ لأن صورة الشيطان أقبح الصور، وأكرهها في طباع الناس وعقائدهم، ومن ثمة إذا وصفوا شيئًا بغاية القبح والكراهة قالوا: كأنه شيطان وإن لم يروه، فتشبيه الطلع برؤوس الشياطين، تشبيه بالمخيّل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك، قال تعالى حكاية: {ما هذا بَشَرًا إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}، وفيه إشارة، إلى أن من كان هاهنا معلوماته في قبح صفات الشياطين، يكون هناك مكافأته في قبح صورة الشياطين.

والمعنى (٢): أي إن ثمرها في قبح منظره، وكراهة رؤيته، كأنه رؤوس الشياطين، والعرب تتخيل رأس الشيطان صورة بشعة، لا تعدلها صورة أخرى، فيقولون لمن يسمونه بالقبح المتناهي: كأن وجهه وجه شيطان، وكأن رأسه رأس


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.