٨٧ - ثم طلب من ربه عدم خزيه وهوانه يوم القيامة، فقال:{وَلَا تُخْزِنِي} من الخزي بمعنى الهوان والذل؛ أي: لا تفضحني على رؤوس الأشهاد بمعاتبتي على ما فرطت، أو بنقص مرتبتي عن بعض الوارثين {يَوْمَ يُبْعَثُونَ}؛ أي: يوم يبعث الناس من قبورهم كافة وهو يوم القيامة، أو لا تعذبني يوم القيامة. والإضمار في {يُبْعَثُونَ} مع عدم سبق المرجع؛ لكونه معلومًا؛ لأن البعث عام فيدل عليه.
ولما كانت مغفرة الخطيئة في قوله:{وَالَّذِي أَطْمَعُ ...} إلخ لا تستلزم ترك المعاتبة .. أفرد الدعاء بتركها بعد ذكر مغفرة الخطيئة، وقيّد عدم الإخزاء بيوم البعث؛ لأن الدنيا مظهر اسم الستار.
قال أبو الليث: إلى هاهنا كلام إبراهيم، وقد انقطع كلامه،
٨٨ - ثم إن الله سبحانه وتعالى وصف ذلك اليوم، فقال: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨)} بدل من {يَوْمَ يُبْعَثُونَ}، ومفعول الفعل محذوف، والتقدير: يوم لا ينفع مال أحدًا، وإن كان مصروفًا في الدنيا إلى وجوه البر والخيرات، ولا ينفع بنون ولا بنات فردًا، وإن كانوا صلحاء مستأهلين للشفاعة جدًّا
٨٩ - {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ} سبحانه، وجاء يوم القيامة {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من الشرك والنفاق؛ أي: إلّا من أتى الله سبحانه وتعالى مخلصًا سليم القلب من مرض الكفر والنفاق ضرورة اشتراط نفع كل منهما بالإيمان, قال في "كشف الأسرار": إلا بنفس سليمة من الكفر والمعاصي، وإنما أضاف إلى القلب, لأن الجوارح تابعة للقلب، فتسلم بسلامته، وتفسد بفساده، وفي الخبر:"إن في جسد ابن آدم لمضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب". قال الليث: كان الكفار يقولون: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}، فأخبر الله سبحانه أنه لا ينفعهم ذلك اليوم المال والبنون؛ لعدم سلامة قلوبهم في الدنيا، وأما المسلمون فينفعهم خيراتهم، وينفعهم البنون أيضًا؛ لأن المسلم إذا مات ابنه قبله يكون له ذخرًا وأجرًا، وإن تخلف بعده فإنه يذكره بصالح دعائه، ويتوقع منه الشفاعة من حيث