للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}؛ أي: وعلمت الخلائق أن لا مالك لهم سواه، ولا يسمع لهم صوت يزيد على الهمس الذي لا يكاد يفهم إلا بتحريك الشفتين لضعفه، وحق لمن كان الله سبحانه محاسبه أن يخشع طرفه، ويضعف صوته، ويخلص قوله، ويطول غمه،

١٠٩ - قال أبو مسلم: {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ يقع ما ذكر من الأمور الهائلة {لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ}؛ أي: لا تنفع شفاعة الشافعين أحدًا من المشفوعين {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ}؛ أي: إلا مشفوعًا أذن الرحمن في أن يشفع له؛ أي: في شفاعة الشافعين له {وَرَضِيَ} الرحمن {لَهُ}؛ أي: لذلك المشفوع {قَوْلًا} من أقواله الحاصلة له في الدنيا، وهو قول: شهادة أن لا إله إلا الله، بأن مات على الإِسلام وإن عمل السيئات، وأما من عداه فلا تكاد تنفعه، وإن فرض صدورها من الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)} وهذه الآية من أقوى الدلائل على ثبوت الشفاعة في حق الفساق، وهي نافعة لهم، والاستثناء في قوله: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} من أعم المفاعيل كما قدرنا آنفًا، أو المعنى: يومئذ لا تنفع شفاعة الشافعين، ولا تُقبل منهم، إلا من أذن له الرحمن, أي: إلا شفاعة شافعٍ أذن له الرحمن في شفاعته للغير، ورضى له قولًا في طلب شفاعته للغير، وعلى هذا المعنى فـ {مَنْ} الموصولة في محل الرفع على البدلية من الشفاعة، ولكنه على حذف مضاف، تقديره؛ أي: لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن، ورضي له قولًا، قال الإِمام الراغب: الشفاعة (١): الانضمام إلى آخر ناصرًا له، وسائلًا عنه، وأكثر ما يُستعمل في انضمام من هو أعلى مرتبةً إلى من هو أدنى منه، ومنه الشفاعة في القيامة، والإذن في الشيء: الإعلام بإجازته والرخصة فيه، كما سيأتي.

المعنى: أي يومئذ (٢) لا تنفع الشفاعة أحدًا، إلا شفاعة من أذن له الرحمن أن يشفع، ورضى له قولًا صدر منه، والفاسق قد قال قولًا يرضاه الرحمن، فقد قال: لا إله إلا الله، كما روي عن ابن عباس.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.