للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{لَمُحْيِ الْمَوْتَى}؛ أي: لقادر على إحيائهم في الآخرة، وبعثهم ومجازاتهم، فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية، كما أن إحياء الأرض بالمطر إحياء لمثل ما كان فيها من القوى النباتية.

{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} أراده، {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر تام القدرة؛ أي: مبالغ في القدرة على جميع الأشياء التي من جملتها إحياء قالب الإنسان بعد موته في الحشر، وإحياء قلبه بعد موته في الدنيا؛ لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على حدّ سواء، رجع كل شيء إلى قدرته فلم يعظم عليه شيء، فقدرة الله سبحانه هي الكاملة، بخلاف قدرة العبد، فإنها مستفادة من قدرة الله تعالى.

وقرأ الحرميان (١) - نافع وابن كثير - وأبو بكر وأبو عمرو: {إلى أثر} بالإفراد وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي: {آثار} بالجمع. وقرأ سلام: {إثر} بكسر الهمزة وإسكان الثاء، وقرأ الجحدري وابن السميقع وأبو حيوة: {تحي} بالتاء للتأنيث، والضمير عائد على الرحمة أو على الآثار على قراءة من قرأ بالجمع، وقرأ زيد بن علي: {نحي} بنون العظمة، والجمهور: {يحيي} بياء الغيبة والضمير لله.

ومعنى الآية: أي فانظر (٢) أيها الرسول أثر الغيث، الذي أنبت به ما أثبت، من الزرع والأشجار والثمار، وفيه الدليل الكافي على عظيم القدرة، وواسع الرحمة، وإذ قد ثبتت قدرته على إحياء الأجسام بعد موتها، وتفرقها وتمزقها إربًا إربًا، ومن ثم قال: {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى}؛ أي: إن ذلك الذي قدر على إحياء الأرض، قادر على إحياء الأجسام حين البعث، ثم أكد هذا بقوله: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. فلا يعجزه شيء، فإحياؤكم من قبوركم هين عليه، ونحو الآية قوله: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}

٥١ - ثم ذمهم على تزلزلهم، وسوء اضطرابهم، فإذا أصابهم الخير .. فرحوا به، وإن أصابهم


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.