للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا يسمع في ناحية من الأرض ملكًا إلّا أتاه ودعاه إلى الحق {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ}؛ أي: بتدبير كل شيء من الكائنات {عَالِمِينَ} فنجريه على ما يقتضيه علمنا وحكمتنا؛ فما آتيناه الملك والنبوة، وما سخرنا له الريح تجري بأمره إلَّا لعلمنا بما في ذلك من الحكمة والمصلحة، وأن قومه سيعرفون نعمتنا، فيشكروننا عليها

٨٢ - {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ}؛ أي: وسخرنا له من الشياطين والجن، {مَنْ يَغُوصُونَ}؛ أي: يدخلون تحت البحر، ويستخرجون {لَهُ}؛ أي: لسليمان من نفائس البحر وجواهره ودرره، من اللؤلؤ والمرجان ونحو ذلك {و} من {يَعْمَلُونَ} له {عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ} المذكور؛ أي: عملًا آخر غير ذلك المذكور، من الغوص في البحر، كبناء المدن والمحاريب والتماثيل والقصور والجفان ونحو ذلك، واختراع الصنائع الغريبة، وهؤلاء (١) إما الفرقة الأولى أو غيرها لعموم كلمة {مَنْ}، كأنه قيل: ومن يعملون. روي أن المسخر له كفارهم لا مؤمنوهم، لقوله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ}. {وَكُنَّا} نحن {لَهُمْ}؛ أي: لهؤلاء الشياطين المسخرين له {حَافِظِينَ} من أن يزيغوا عن أمره ويعصوا ويتمردوا عليه، أو يفسدوا ما عملوا على ما هو مقتضى جبلتهم، وكان دأبهم أن يفسدوا بالليل ما عملوا بالنهار. والشياطين وإن كانوا أجسامًا لطيفة، لكنهم يتشكلون بأشكال مختلفة، ويقدرون على الأعمال الشاقة. ألا ترى أن لطافة الريح لا تمنع عصوفها، لا سيما أنهم تكشفوا في زمن سليمان، فكانوا بحيث يراهم الناس ويستعملونهم في الأعمال. وقال في "الأسئلة المقحمة": فلماذا لم تخرج الشياطين عن طاعة سليمان مع استعمالهم في تلك الأمور الشديدة؟ فالجواب أن الله تعالى، أوقع لسليمان في قلوبهم من الخوف والهيبة، حتى خافوا أن يخرجوا عن طاعته، وهذا من معجزاته.

والمعنى: أي (٢) وكنا حافظين لأعمالهم، فلا يناله أحد منهم بسوء، فكل في قبضته، وتحت قهره، لا يجسر على الدنو منه، وهو المتحكم فيهم، إن شاء حبس، وإن شاء أطلق، كما قال: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.