للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {عَاصِفَةً} حال من الريح؛ أي: (١) حالة كونها شديدة الهبوب، من حيث إنها تبعد بكرسيه في مدة يسيرة من الزمان، وكانت ليِّنة في نفسها، طيبة كالنسيم، فكان جمعها بين الرخاوة في نفسها، وعصفها في عملها، مع طاعتها لسليمان، وهبوبها حسبما يريد، ويحتكم معجزة مع معجزة.

وعبارة "الخازن" هنا: فإن قلت: قد وصف الله سبحانه، هنا الريح بالعصف، وفي آية أخرى بالرخاء، وهي الريح الليّنة، فبين الوصفين معارضة؟

قلتُ: لا منافاة بينهما؛ لأن الريح كانت تحت أمره، إن أراد أن تشتدّ، اشتدت، وإن أراد أن تلين لانت، انتهت.

وحالة كونها {تَجْرِي}؛ أي: الريح {بِأَمْرِهِ}؛ أي: بأمر سليمان وإذنه ومشيئته {إِلَى الْأَرْضِ} الشامية {الَّتِي بَارَكْنَا}؛ أي: أنزلنا البركة {فِيهَا} للعالمين بكثرة المياه والأنهار والأشجار، وكانت الريح تذهب به، غدوة من الشام إلى ناحية من نواحي الأرض، وبينها وبين الشام مسيرة شهر، إلى وقت الزوال، ثم ترجع به منها بعد الزوال إلى الشام عند الغروب، كما قال تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} والمعنى؛ أي (٢): وسخرنا لسليمان الريح عاصفة، شديدة الهبوب تارةً، ورخاء لينة تارة أخرى، وفي كل حال منهما تجري بأمره إلى أي بقعة من الأرض المقدسة، فيخرج هو وأصحابه حين الغداة إلى حيث شاؤوا، ثم يرجعون في يومهم إلى منزله بالشام.

قال مقاتل: عملت الشياطين لسليمان بساطًا فرسخًا في فرسخ من ذهب في إبريسم، وكان يوضع له منبر من ذهب في وسطه، فيقعد عليه، وحوله كراسي من ذهب وفضة، يقعد الأنبياء على كراسي الذهب، والعلماء على كراسي الفضة، وحولهم الناس، وحول الناس الجن والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تطلع عليه الشمس، وترفع الريح الصبا، البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح، ومن الرواح إلى الغروب، وكان عليه السلام امرأ، قلّما يقعد عن الغزو،


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.