للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أموره، حتى إنه ليعلم ما تسوس به نفسه من الخير والشر. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ}؛ أي: ونحن أعلم به، وبخفيات أحواله، لا يخفى علينا شيء من أمره من علمكم بحبل الوريد؛ لأنّ العرق تحجبه أجزاء من اللحم، وعلم الله لا يحجب عنه شيء.

أي: ونحن (١) أقرب إلى الإنسان من العرق الذي يجري فيه الدم، ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن بعلمنا بحاله، وبنفوذ قدرتنا فيه، يجري فيه أمرنا كما يجري الدم في عروقه.

١٧ - و {إِذْ} في قوله: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ}: منصوب (٢) بأذكر، وهو أولى لبقاء قوله: {وَنَحْنُ ...} إلخ. على إطلاقه، أو هو متعلق بما في {أَقْرَبُ} من معنى الفعل، والتلقي: الأخذ، والتلقن بالحفظ والكتابة.

والمعنى: أنه تعالى لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس، ولا شيء أخفى منها، وهو أقرب إلى الإنسان من كل قريب حين يتلقى، ويتلقن، ويأخذ ويكتب الملكان الحفيظان الموكلان بالعبد ما يتلفظ به العبد ويفعله.

وفيه (٣): أي على الوجه الثاني، إيذان بأن استحفاظ الملكين أمر هو سبحانه غنيّ عنه، وكيف لا يستغني عنه وهو مطلع على أخفى الخفيات؟! وإنما ذلك الاستحفاظ لحكمة، وهي ما في كتب الملكين وحفظهما لأعمال العبد، وعرض صحائف العمل يوم القيامة، وعلم العبد بذلك مع علمه بإحاطته تعالى بتفاصيل أحواله، خيرًا أو شرًا، من زيادة اللطف له في الانتهاء عن السيئات، والرغبة في الحسنات، والحال أنّ أحدهما {عَنِ الْيَمِينِ}؛ أي: عن يمين العبد، وجانبه قعيد {و} الآخر منهما {عَنِ الشِّمَالِ}؛ أي: شمال العبد {قَعِيدٌ}، أي: مقاعد كالجليس بمعنى المجالس لفظًا ومعنى، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، وقيل: يطلق الفعيل على الواحد والمتعدد، كما في قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ


(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) النسفي.