الناس في الدنيا والآخرة، وأنزلنا عليه التوراة هدى لقومه، فتوارثوها خلفًا عن سلف، وصارت هدايةً لهم، وتذكرةً لأصحاب العقول السليمة، التي بعدت من شوائب التقليد والوهم.
٥٥ - وبعد أن بين سبحانه أنه ينصر رسله والمؤمنين، وضرب لذلك مثلًا بحال موسى .. خاطب نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بقوله:{فَاصْبِرْ} وهذا كلام مرتب على قوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى} إلخ جملة معترضة سيقت للبيان والتأكيد لنصرة الرسل، و {الفاء} فيه: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا سمعت يا محمد ما وعدت به من نصرة الرسل، وما فعلناه بموسى، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لك: اصبر على ما أصابك من أذية المشركين، فهو غير منسوخ بآية السيف، إذ الصبر محمود في كل المواطن، وقال الكلبي: نسخ هذا بآية السيف {إِنَّ وَعْدَ اللهِ} سبحانه إياك بالنصرة، وظهور الإِسلام على الأديان كلها، وفتح مكة ونحوها {حَقٌّ} لا يحتمل الإخلاف أصلًا، واستشهد بحال موسى وفرعون {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} تداركًا لما فرط منك من ترك الأولى في بعض الأحيان، فإنه تعالى كافيك في نصرة دينك وإظهاره على الدين كله، وفي "عين المعاني": واستغفر من ذنب إن كان منك، وقيل: هذا تعبد من الله لرسوله؛ ليزيد به درجة, لأنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو ليصير ذلك سنة لمن بعده، وفي "عرائس البقلي": واستغفر لما جرى على قلبك من أحكام البشرية. اهـ. وقيل: المراد ذنب أمتك، فهو على حذف مضاف. وقيل المراد: الصغائر عند من يجوزها على الأنبياء. {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}؛ أي: ودم على اعتقاد تنزيه ربك عن كل ما لا يليق به، حال كونك متلبسًا بحمده بلسانك، أو المعنى: دم على قولك: سبحانه الله وبحمده {بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}؛ أي: في آخر النهار وأوله. وقيل المراد: صل في الوقتين: صلاة العصر وصلاة الفجر: قاله الحسن وقتادة، وقيل: هما صلاتان: ركعتان غدوة وركعتان عشية، وذلك قبل أن تفرض الصلوات الخمس.
فالمقصود من ذكر العشي والإبكار: الدلالة على المداومة عليهما في جميع الأوقات، بناءً على أن الإبكار عبارة: عن أول النهار إلى نصفه، والعشي عبارة: عن نصف النهار إلى أول النهار من اليوم الثاني، فيدخل فيهما كل الأوقات.