عهد يلتزمه الإنسان باختياره، والوعد من العهد، ومن ثم قال ميمون بن مهران: من عاهدته وفِّ بعهده مسلمًا كان أو كافرًا، فإنما العهد لله تعالى.
{وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}؛ أي: ولا تخالفوا ما عاقدتم فيه الأيمان، وشددتم فيه على أنفسكم، فتحنثوا فيه وتكذبوا، وتنقضوه بعد إبرامه، وقد جعلتم الله بالوفاء بما تعاقدتم عليه راعيًا يرعى الموفي منكم بالعهد، والناقض له بالجزاء عليه، ثم وعد وأوعد فقال:{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} في العهود التي تعاهدون الله الوفاء بها، والأيمان التي تؤكدونها على أنفسكم، أتبُّرون فيها، أم تنقضونها، وهو محصٍ ذلك كله عليكم، وسائلكم عنه، وعما عملتم فيه، فاحذروا أن تلقوه وقد خالفتم أمره ونهيه، فتستوجبوا منه ما لا قبل لكم به من أليم عقابه.
أخرج ابن جرير عن مزيدة بن جابر (١): أنَّ الآية نزلت في بيعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان من أسلم يبايع على الإِسلام، فقال تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}، فلا تحملنكم قلة محمَّد وأصحابه، وكثرة المشركين، أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإِسلام، وإن كان في المسلمين قلة وفي المشركين كثرة.
٩٢ - ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض مع ضرب المثل فقال:{وَلَا تَكُونُوا} أيها المؤمنون في نقض العهد {كَالَّتِي}؛ أي: كالمرأة التي {نَقَضَتْ}؛ أي: حلت وفكت، والنقض في البناء والحبل وغيره ضد الإبرام، كما في "القاموس"{غَزلَهَا}؛ أي: مغزولها؛ أي: ما غزلته وفتلته من صوف وقطن وغيرهما، {مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ} متعلق بنقض؛ أي: حلته وفكته من بعد إبرام ذلك الغزل وإحكامه، فجعلته {أَنْكَاثًا} حال من غزلها، جمع نكث بمعنى منكوث، كحمل وأحمال؛ أي: منكوثًا، وهو كل ما ينكث فتله؛ أي: يحل غزلًا كان أو حبلًا، والمعنى جعلته طاقات نكثت فتلها؛ أي: ولا تكونوا أيها المؤمنون في نقضكم أيمانكم