للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعد توكيدها وإعطائكم ربكم العهود والمواثيق كمن تنقض غزلها بعد إبرامه، وتنفشه بعد أن جعلته طاقات، حماقةً منها وجهلًا.

قال السُّدِّي: هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت غزلًا .. نقضته بعد إبرامه، وقال الكلبي ومقاتل: هي ريطة (١) - بفتح الراء والطاء المهملتين بينهما تحتية ساكنة - بنت عمرو بن سعد القرشية المكية، وكانت خرقاء حمقاء بها وسوسةٌ، وكانت قد اتخذت مغزلًا قدر ذراع، وسنارةً مثل الأصبع، وهي بكسر السين الحديدة في رأس المغزل، وفلكةً عظيمة على قدرها، وكانت تغزل الغزل من الصوف أو الشعر أو الوبر، وتأمر جواريها بالغزل، فكن يغزلن من الغداة إلى نصف النهار، فإذا انتصف النهار .. أمرتهن بنقض جميع ما غزلت، فكان هذا دأبها، والمعنى: إن هذه المرأة لم تكف عن العمل، ولا حين عملت كفت عن النقض، فكذلك من نقض العهد، لا تركه ولا حين عاهد وفى.

والخلاصة (٢): أنه تعالى شبه حال الناقض للعهد بحال من تنقض غزلها بعد فتله وإبرامه، تحذيرًا للمخاطبين وتنبيهًا إلى أنَّ هذا ليس من فعل العقلاء، وصاحبه في زمرة الحمق من النساء، وجملة قوله: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ} حال من (٣) الضمير في: {لا تكونوا}؛ أي: لا تكونوا مشابهين بامرأةٍ شأنها هذا، حال كونكم متخذين أيمانكم دخلا ومفسدةً وخديعة بينكم، بسبب {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ}؛ أي: جماعة قريش {هِيَ أَرْبَى}؛ أي: أزيد عَددًا وعُددًا وأوفر مالًا {مِنْ أُمَّةٍ} أي: من جماعة المؤمنين.

أي: ولا تكونوا (٤) كالتي نقضت غزلها، حالة كونكم تجعلون أيمانكم - التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتم - خديعةً وغرورًا، ليطمئنوا إليكم وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد، والنقلة إلى غيرهم من أجل أنهم أكثر منهم عَددًا وعُددًا وأعز نفرًا، بل عليكم بالوفاء بالعهود والمحافظة


(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.