للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعلى هذا القول الأخير فالمراد (١) بخلْق الله دينَه لأنه دين الفطرة، وهي الخلقة قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}؛ أي: إنه يراد به تغيير الفطرة الإنسانية عما فطرت عليه، من الميل إلى النظر والاستدلال، وطلب الحق، وتربيتها، وتعويدها الأباطيل والرذائل والمنكرات، فالله قد أحسن كل شيء خلقه، وهؤلاء يفسدون ما خلق الله، ويطمسون عقول الناس.

والخلاصة: أن الدين الفطري الذي هو من خلق الله وآثار قدرته ليس هو مجموع الأحكام التي جاء بها الرسل ليبلغوها للناس، بل هو ما أودعه في فطرة البشر من توحيده والاعتراف بقدرته وجلاله، وهو ما أشار إليه في الحديث: "كل مولود يولد على الفطرة".

ومن أهم أسس هذا الدين: فطرية العبودية للسلطة الغيبية، التي تنتهي إليها الأسباب، وتقف دون الوصول إلى حقيقتها العقول، وقرأ أبو عمرو (٢): {ولأمرنهم} بغير ألف كذا قاله ابن عطية، وقرأ أبي: {وأضلنهم وأمنينهم وآمرنهم} وتكون جملًا مقولة، لا مقسمًا عليها.

{وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ}؛ أي: ومن يجعل الشيطان المطرود وليًّا وناصرًا له متوليًّا عليه، أو يجعله ربًّا يطيعه من دون الله، ويتبع وسوسته وإغواءه، وهو البعيد من أسباب رحمة الله وفضله .. {فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}؛ أي: خسرانًا ظاهرًا في الدنيا والآخرة، بتضييع رأس ماله وهو الدين الفطري، وذلك لأن طاعة الله تفيد المنافع العظيمة الدائمة، وطاعة الشيطان تفيد المنافع القليلة المنقطعة، ويعقبها العذاب الأليم؛ إذ أنه يكون أسير الأوهام والخرافات يتخبط في عمله على غير هدى، ويفوته الانتفاع التام بما وهبه الله من العقل والمواهب الكسبية التي أوتيها الإنسان وميز بها من بين أصناف الحيوان،

١٢٠ - {يَعِدُهُمْ}؛ أي: يعد الشيطان الناس الفقر إذا هم أنفقوا شيئًا


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.