صار مؤمنا، لا يأمرني إلا بخير، ورجح النواوي الفتح لقوله:«فلا يأمرني إلا بخير».
والوجه الثالث: يحتمل أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلّم، والمراد به غيره، ومعناه: وإمّا ينزغنّك أيها الإنسان من الشيطان نزع .. فاستعذ بالله، فهو كقوله:{فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}.
قال القاضي عياض: واعلم أنّ الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلّم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه، وفي هذا الحديث المذكور آنفا إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، أعلمنا أنّه معنا لنحترز عنه بحسب الإمكان. والله أعلم.
٢٠١ - ثم بين سبحانه طريق سلام من يستعيذ من الشيطان من الوقوع في المعصية فقال:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا}؛ أي: إن الذين اتصفوا بوقاية أنفسهم عما يضرها {إِذا مَسَّهُمْ} وأصابهم {طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ}؛ أي: شيء قليل من وسوسة الشيطان، وخاطر منه {تَذَكَّرُوا} ما أمرهم الله به، من ترك إمضاء الغضب، ومن أنّ الإنسان إذا أمضى الغضب .. كان شريكا للسباع المؤذية والحيات القاتلة، وإن تركه واختار العفو .. كان شريكا لأكابر الأنبياء والأولياء والصالحين، ومن أنّه ربما انقلب ذلك الضعيف الذي يريد أن يعدو عليه قويا قادرا على الغضب، فحينئذ ينتقم منه على أسوأ الوجوه، أما إذا عفا كان ذلك إحسانا منه إلى ذلك الضعيف {فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} بسبب التذكر مواقع الخطأ، ومكايد الشيطان، ومنتبهون لها، فيتحرزون عنها، ولا يتبعونه فيها؛ أي: إذا حضرن هذه التذكرات في قلوبهم، ففي الحال يحصل الخلاص من وسوسة الشيطان، ويحصل لهم الإبصار لها، والانكشاف عنها، وينتهون عن المعصية.
والمعنى: أن خيار المؤمنين وهم {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} إذا ألم ونزل بهم طائف وخيال من الشيطان ليحملهم بوسوسته على المعصية، أو إيقاع البغضاء بينهم .. تذكروا أن هذا من إغواء الشيطان عدوهم الذي أمر الله بالاستعاذة منه، والالتجاء إليه في الحفظ من