غوايته، فإذا هم أولو بصيرة يربئون أنفسهم أن تطيعه فهو إنّما تأخذ وسوسته الغافلين من ربهم، الذين لا يراقبونه في شؤونهم وأعمالهم، ولا شيء أقوى على طرد وسواس الشيطان من ذكر الله، ومراقبته في السر والعلن من قبل أن يقوي في النفس حب الحق، وداعي الخير، ويضعف فيها الميل إلى الشرور والآثام.
فقويّ الروح بالإيمان والتقوى غير قابل لتأثير الشيطان في نفسه، لكن الشيطان دائما يتحين الفرص وعروض بعض الأهواء النفسية، من شهوة أو غضب أو داعية حسد أو انتقام، حتى إذا وجد الفرصة سانحة افترصها، ولا بس النفس وقوىّ فيها داعي الشر، كالحشرات القذرة التي تعرض للنظيف إذا أهملها بالغفلة عنها فعلت فعلها، وإذا تداركها نجا من شرها وضرّها.
وإن الإنسان ليشعر بتنازع دواعي الخير والشر في نفسه، وإن لداعية الخير والحق مسلكا يقويها، ولداعية الشر والباطل شيطانا يقويها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلّم ذلك بقوله: «إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك .. فليعلم أنه من الله فليحمد الله على ذلك، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان ثم قرأ:{الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ}.
وقرأ النحويان (١): أبو عمرو والكسائي وابن كثير: {طيف} فيحتمل أن يكون مصدرا من طاف يطيف طيفا، كباع يبيع بيعا، ويحتمل أن يكون مخففا من طيف، كميت وميت، وليّن ولين، وقرأ باقي السبعة {طائِفٌ} اسم فاعل من طاف، وقرأ ابن جبير:{طيف} بالتشديد، وهو فيعل، وقرأ ابن الزبير:{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تأملوا فإذا هم مبصرون} وفي مصحف أبي {إن الذين اتقوا إذا طاف من الشيطان طائف تأملوا فإذا هم مبصرون}.
وينبغي أن يحمل هذا، وقراءة ابن الزبير على أن ذلك من باب التفسير، لا على أنّه قرآن، لمخالفته سواد ما أجمع عليه المسلمون من ألفاظ القرآن.