للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٩٩ - {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا} استئنافية، واللام فيه للقسم؛ أي: وعزّتي وجلالي، لقد أنزلنا {إِلَيْكَ} يا محمد! {آيَاتٍ} من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه {بَيِّنَاتٍ}؛ أي: واضحات الدلالة على معانيها، وعلى كونها من عند الله تعالى، مفصَّلاتٍ بالحلال والحرام، والحدود، والأحكام {وَمَا يَكْفُرُ} ويجحد، وينكر، ويكذّب {بِهَا}؛ أي: بالآيات التي توضِّح الحلال والحرام، وتفصِّل الحدود، والأحكام {إِلَّا الْفَاسِقُونَ}؛ أي: الخارجون عن طاعتنا، وما أمروا به، المتمرِّدون في الكفر من سائر الكفرة، فإنّ من ليس على تلك الصفة لا يجترىءُ على الكفر بمثل هاتيك الآيات البينات، فاللام فيه للجنس، والأحسن جعلها للعهد إشارةً إلى أهل الكتاب؛ لأنَّ الكلام فيهم، والمعنى حينئذٍ، إلّا الخارجون عن دينهم المحرِّفون لكتابهم؛ لأن اليهود خرجت بالكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - عن شريعة موسى عليه السلام.

واعلم: أنَّ القرآن هو النور الإلهيُّ الذي كشف الله به الظُّلمات، واليهود أرادوا أن يُطفِئُوا نور الله، والله متم نوره، وليس لهم في ذلك إلا الفضاحة والخزي، كما إذا دخل الحمام ناسٌ في ليلٍ مظلم، وفيهم الأصحاء وأهل العيوب، فجاء واحدٌ بسراج مضيءٍ لا يسارع إلى إطفائه إلّا أهل العيوب، مخافة أن يُظهر عيوبهم للأصحَّاء، ويلحق بهم مذمَّةً (أو) الهمزة (١) فيه للاستفهام الإنكاري، داخلةٌ على محذوف معلوم من السياق، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، كما هو مذهب الزمخشري، والتقدير: أكفروا بهذه الآيات البيِّنات مع كونها في غاية الوضوح؟

١٠٠ - {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا}؛ أي: أعطوا {عَهْدًا} لله سبحانه في حقِّ محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو مصدرٌ مؤكِّد لعاهدوا من غير لفظه بمعنى: معاهدةً. وقرأ أبو السمال العدويُّ (٢)، وغيره {أوْكُلَّما} بسكون الواو، وخرَّج ذلك الزمخشري على أن يكون للعطف على الفاسقين وقدَّره: وما يكفر بها إلّا الذين فسقوا، أو


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.