الاستهانة والاستقباح أشد وأكثر. قيل: أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر، فبقيت علامتها. قال صاحب "الكشف": هو ضعيف، فإنّ الوليد مات قبله فلم يوسم بوسم بقي أثره مدة حياته.
والمراد: أنَّا سنبين أمره بيانًا واضحًا حتى لا يخفى على أحد كما لا يخفى ذو السمة على الخرطوم. وفي هذا إذلالٌ ومهانة له؛ لأنّ السمة على الوجه شين، فما بالك بها في أكرم موضع؟ وهو الأنف الذي هو مكان العزّة والحمية والأنفة، ومن ثم قالوا: الأنف في الأنف، وقالوا: حمي أنفه، وقالوا: هو شامخ العرنين. وعلى عكسه قالوا في الذليل: جدع أنفه ورغم أنفه. قال جرير:
وفي التعبير بلفظ الخرطوم، استخفاف به؛ لأنه لا يستعمل إلا في الفيل والخنزير، كما مرّ. وفي استعمال أعضاء الحيوان للإنسان كالمشفر للشفة، والظلف للقدم دلالة على التحقير كما لا يخفى.
والخلاصة: سنذله في الدنيا غاية الإذلال، ونجعله ممقوتًا مذمومًا مشهورًا بالشرّ، ونسمُهُ يوم القيامة على أنفه ليعرف بذلك كفره وانحطاط درجته؛ أي: سنُعلمه يوم القيامة بعلامة مشوهة يعلم بها من سائر الكفرة بأن نسود وجهه غاية التسويد، إذ كان بالغًا في عداوة سيد المرسلين عليه وعليهم السلام أقصى مراتب العداوة. فيكون الخرطوم مجازًا عن الوجه على طريق ذكر الجزء وإرادة الكلّ.
١٧ - {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} أي: إنَّا نحن ابتلينا وامتحنا كفار مكة بالقحط والجوع. والابتلاء: الاختبار. وهذا كلام مرتب على محذوف تقديره: أعطينا أهل مكة الأموال ليشكروا لا ليبطروا، فلما بطروا ابتليناهم بالجوع والقحط سبع سنين بدعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أكلوا الجيف والجلود والعظام والدم لتمردهم وكفرانهم نعم الله تعالى. {كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} أي (١): ابتلاء مثل ابتلاء أصحاب الجنة المعروف. خبرها عندهم، واللام في الجنة للعهد، والكاف في موضع النصب على أنها نعت لمصدر محذوف، و {ما} مصدرية. والجنة: البستان، وأصحاب الجنة: قوم من