٤ - استدل على خيريته بالمادة التي منها التكوين، وخيرية المواد بعضها على بعض أمر اعتباريُّ، تختلف فيه الآراء، كما أن الملائكة خلقوا من النور، وهو قد خلق من النار، والنور خير من النار، وهم قد سجدوا امتثالًا لأمر ربهم.
٥ - قد جهل ما خص به آدم من استعداده العلمي والعملي أكثر من سواه، ومن تشريفه بأمر الملائكة بالسجود له، فكان بذلك أفضل منهم، وهم أفضل من إبليس بعنصر الخلقة والطاعة لربهم.
٣٦ - {قَالَ} إبليس - عليه لعنة الله -: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي}؛ أي: أخرني، وأمهلني، ولا تمتني، {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}؛ أي: آدم وذريته، للجزاء بعد فنائهم، والبعث إحياء الميت، كالنشر، والفاء (١) واقعة في شرط مقدر دل عليه قوله: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} أي إذا جعلتني رجيمًا .. فأمهلني، وأخرني إلى يوم يبعثون، وهو يوم القيامة، أراد الملعون بذلك السؤال أن لا يذوق الموت لاستحالته بعد يوم البعث، وأن يجد فسحة لإغوائهم؛ ويأخذ منهم ثأره،
٣٧ - فأجابه إلى الثاني دون الأول كما قال تعالى:{قَالَ} الله سبحانه وتعالى {فَإِنَّكَ} يا لعين {مِنَ الْمُنْظَرِينَ}؛ أي: من المؤجلين الذين أخرت آجالهم أزلًا، ودل على أن ثمة منظرين غير إبليس، وهم الملائكة، فهم ليسوا بذكور ولا إناث، ولا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون، ولا يموتون إلى آخر الزمان، وأما الشياطين فذكور وإناث يتوالدون، ولا يموتون بل ينظرون كما أنظر إبليس، وأما الجن فيتوالدون وفيهم ذكور وإناث ويموتون.
٣٨ - ثم بين سبحانه الغاية التي أمهله إليها فقال: {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)}؛ أي: المعين عند الله تعالى، لا يتقدم ولا يتأخر، وهو وقت موت الخلق عند النفخة الأولى، ثم لا يبقى بعد ذلك حي إلا الله تعالى أربعين سنة، إلى النفخة الثانية، وأراد اللعين بهذا السؤال أنه لا يموت أبدًا؛ لأنه إذا أمهل إلى يوم البعث الذي هو وقت النفخة الثانية لا يموت بعد ذلك؛ لانقطاع الموت حين النفخة الأولى، فعلم أنه إذا أمهل إلى يوم البعث .. أمهل إلى الأبد، فأجابه الله تعالى