نعرف السننَ الإلهيةَ، ونهيىءَ أنفسَنا لمقاومتها، فإن من تقع به المصيبة فجأةً على غير انتظار يعظم عليه الأمر، ويحيط به الغمُّ حتى كاد ليقتله في بعض الأحايين، لكنه إذا استعد لها اضطَلَع بها وقويَ على حملها.
{وَإِنْ تَصْبِرُوا} أيها المؤمنون على ما سيحل ويقع بكم من البلاء في أموالكم، وأنفسكم، وعلى ما تسمعون من أهل الكتاب، والمشركين من الأذى {وَتَتَّقُوا} ما يجب اتقاؤه، وتحترزوا عما لا ينبغي كالمداهنة مع الكفار، والسكوت عن إظهار الإنكار {فَإِنَّ ذَلِكَ} الصبرَ والتقوى {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}؛ أي: من معزومات الأمور؛ أي: من الأمور الواجبة التي ينبغي أن يعزمَها ويفعلَها كل أحد لما فيه من كمال المزية والشرف، أو مما عزم الله تعالى عليه، وأمر به، وبالغ فيه، وأوجب، يعني أن ذلك عزمة من عزمات الله، وواجب من واجبات الله التي أوجبها على عباده.
١٨٧ - {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}؛ أي: واذكر يا محمَّد لأمتك قصة إذ أخذ الله العهدَ المؤكدَ باليمين من الذين أوتوا الكتاب؛ أي: من علماء اليهود، والنصارى على لسان أنبيائهم {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} بالتاء حكاية لمخاطبتهم؛ أي: لتبينن ذلك الكتاب الذي أوتيتم للناس، ولتظهرن جميع ما فيه من الأحكام، والأخبار التي من جملتها نبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - للناس {وَلَا تَكْتُمُونَهُ}؛ أي: والحال أنكم لا تكتمون، ولا تخفون ذلك الكتاب عن الناس، ولا تؤولونه، ولا تلقون الشبه الفاسدة، والتأويلات المزيفة إليهم، وذلك بأن يوضحوا معانيه كما هي، ولا يؤولوه ولا يحرفوه عن مواضعه التي وضع لتقريرها، ويذكروا مقاصده التي أنزل لأجلها حتى لا يقع اضطراب ولا لبس في فهمه.
فإن لم يفعلوا ذلك .. فإما أن يبينوه على غير وجهه، ولا يكون هذا بيانًا، ولا كشفًا لأغراضِه ومقاصده، وأما أن لا يبينوه أصلًا، ويكون هذا كتمانًا له.
وتبيين الكتاب على ضربين:
الأول: تبيينه لغير المؤمنين به لدعوتهم إليه.
الثاني: تبيينه للمؤمنين به لهدايتهم، وإرشادهم بما أنزل إليهم من ربهم،