البعث بعد الموت، وعلى توحيده لمن آمن به، وصدَّق برسله، فإن من تأمل في تعاقبهما واختلافهما على وجوه بديعة مبنية على حكم تحار في فهمها العقول، ولا يحيط بعلمها إلا الله، وشاهد في الآفاق تبدل ظلمة الليل الحالكة المشابهة للموت بضياء النهار المضاهي للحياة، وعاين في نفسه تبدل النوم الذي هو الموت بالانتباه الذي هو مثل الحياة، قضى بأن الساعة آتية لا ويب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وجزم بأن الله جعل هذا دليلًا على تحققه، وأن الآيات الناطقة به حق، وأنها من عند الله سبحانه وتعالى.
قال حكيم: الدهر مقسوم بين حياة ووفاة، فالحياة اليقظة، والوفاة النوم، وقد أفلح من أدخل في حياته من وفاته. اهـ، فعلى العاقل أن يجدَّ في طريق الوصول، ليكون من أهل الوصال والحصول، ويتخلَّص من العذاب مطلقًا، فإن غاية العمر الموت، ونهاية الموت الحشر، ونتيجة الحشر إما السوق إلى الجنة، وإما السوق إلى النار، والمسوق إلى النار إما مؤمن عاص فعذابه التأديب والتطهير، وإما كافر مكذب فعذابه عذاب القطعية والتحقير.
والمؤمنون يتفاوتون في الدنيا في عقوباتهم على مقادير جرائمهم، فمنهم من يعذب ويُطلق، ومنهم من يعذب ويُحبس مدة على قدر ذنبه، ومنهم من يُحَدَّ، والحدود مختلفة، فمنهم من يقتل، وليس بعجب أن لا يسوى بين أهل النار إلا من لا خير فيه، وهم الكفار الذين ليسوا بموضع الرحمة؛ لأن الله تعالى رحمهم في الدنيا برسال الرسل وإنزال الكتب، فاختاروا الغضب بسلوك طريق التكذيب والعناد، فهم على السوية في عذاب الفرقة، إذ ليس لهم وصلة أصلًا، لا في الدنيا، ولا في العقبى؛ لأن من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، نسأل الله تعالى أن يفتح عيون بصائرنا عن سنات الغفلات، ويجعلنا من المتبعين لدينه في جميع الحالات، إنه قاضي الحاجات، ومانح المرادات، آمين آمين، يا مجيب الدعوات.
٨٧ - وبعد أن ذكر الحشر الخاص، وأقام الدليل عليه، ذكر الحشر العام فقال:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّور} هو معطوف على {وَيَوْمَ نَحْشُرُ} منصوب بناصبه المتقدم