الصنعة، الدالة على وحدانية صاحبها مقنعًا أيما مقنع، وكفاية أعظم كفاية، وجاء الكلام بصورة الاستفهام لتأكيد المقسم عليه، وتقريره، كما تقول لمن يحاجك في أمر، ثم تقيم له الحجة الناصعة التي تثبت ما تدعِ: هل فيما ذكرت لك كفاية؟ ومرادك: أني قد ذكرت لك أقوى الحجج وأبينها، فلست تستطيع جحد ما قلت بعد هذا.
وجواب القسم بهذه الأمور الخمسة المذكورة محذوفة كما مر، يدل عليه قوله بعد {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} الآية، ويقدر بنحو قوله:"إن ناصية المكذبين بيدي، ولئن أمهلتهم .. فلن أهملهم، ولآخذنهم أخذ الأمم قبلهم" وقد ترك ذكره لتسترسل نفس القارىء في تأمل ما مضى وما يتبع؛ ليجد الجواب بينها، فيتمكن المعنى لديه فضل تمكن.
٦ - ثم ذكر سبحانه على طريقة الاستشهاد ما وقع من عذابه على بعض طوائف الكفار بسبب كفرهم وعنادهم وتكذيبهم للرسل تحذيرًا للكفار في عصر نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وتخويفًا لهم أن يصيبهم مثل ما أصابهم، فقال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦)} الهمزة فيه للإنكار، وهو في قوة النفي، ونفي النفي إثبات، فيكون الاستفهام تقريريًا بعد أن كان إنكاريًا؛ أي: ألم تعلم يا محمد علمًا يقينيًا جاريًا مجرى الرؤية في الجلاء والوضوح؛ أي: قد علمت بإعلام الله تعالى لك وبالتواتر أيضًا، كيف عذب ربك عادًا ونظائرهم، فسيعذب كفار قومك لاشتراكهم فيما يوجبه من الكفر والمعاصي، والمراد بعاد: أولاد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، قوم هود عليه السلام، سموا باسم أبيهم، كما سمي بنو هاشم هاشمًا، وبنو تميم تميمًا، فلفظ عاد: اسم للقبيلة المنتسبة إلى عاد، وقد قيل لأوائلهم: عاد الأولى، ولأواخرهم: عاد الأخيرة. قال عماد الدين بن كثير: كل ما ورد في القرآن خبر عاد الأولى إلا ما في سورة الأحقاف. انتهى.
٧ - {إِرَمَ}: عطف (١) بيان لـ {عاد} للإيذان بأنهم عاد الأولى بتقدير مضاف؛ أي: سبط إرم، أو أهل إرم على ما قيل من أن إرم اسم بلدتهم، أو أرضهم التي كانوا فيها، وكانت منازلهم بين عمان إلى حضرموت، وهي بلاد الرمال والأحقاف،