للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لم يؤت علمًا أصلًا، فإنه قد بين الكثير بالمؤمنين وخلوهم من العلم بالكلية مما لا يمكن، وفي تخصيصهما الكثير بالذكر رمز إلى أن البعض مُفَضَّلُون عليهما.

وقال الماوردي: المراد بقوله: {عِلْمًا} علم الكيمياء، وذلك لأنه من علوم الأنبياء والمرسلين والأولياء العارفين، والكيمياء في الحقيقة القناعة بالموجود، وترك التشوق إلى المفقود. وفي الآية إيماء (١) إلى فضل العلم وشرف أهله، وأن نعمة العلم من أجل النعم التي ينعم الله بها على عباده، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلًا على كثير من العباد، ومنحا شرفًا جليلًا حيث شكرا عليه، وجعلاه أساس الفضل، ولم يعتبرا شيئًا دونه مما أوتياه من الملك العظيم.

{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وفيها تحريض للعلماء على أن يحمدوا الله على ما آتاهم من فضله، وأن يتواضعوا، ويعتقدوا أن في عباد الله من يفضلهم فيه، وفوق كل ذي علم عليم، ونعم ما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كل الناس أفقه من عمر.

وروي (٢): أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل الأعمال؟ فقال: "العلم بالله والفقه في دينه". وكررهما عليه، فقال يا رسول الله أسألك عن العمل؟ فتخبرني عن العلم، فقال: "إن العلم ينفعك معه قليل من العمل، وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل". والمتعبد بغير علم كحمار الطاحونة، يدور ولا يقطع المسافة.

وهذا التفضيل سبب لمزيد الحمد والشكر لله تعالى، فإن الثناء بقدر الموهبة والعطية، نحمد الله تعالى على آلائه ونعمائه، ونستزيد العلم وقطراته من دَأْمَائِه، ونسأله التوفيق في طريق التحقيق، والثبات على العمل الصالح بالعلم النافع الذي هو للهوى قامع، وللشهوات دافع، إنه المتفضل المنعم الكبير والوهاب الفياض الرحيم.

١٦ - {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ} بن داود أباه {دَاوُودَ} عليهما السلام؛ أي قام مقامه في


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.