للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

روي أن اليهود قتلوا ثلاثة وأربعين نبيًّا في أول النهار، فقام مئة رجل من عباد بني إسرائيل من أتباع الأنبياء فنصحوهم وذكروهم، فقتلوهم من آخر النهار جميعًا، ففيهم نزلت هذه الآية: {فَبَشِّرْهُمْ}؛ أي: أخبرهم يا محمَّد وأعلمهم {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}؛ أي: بعذاب مؤلم موجع مهين.

وعن (١) أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أيُّ الناس أشد عذابًا يوم القيامة، قال: "رجل قتل نبيًّا، أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}، ثم قال: يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيًّا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة وسبعون رجلًا من بني إسرائيل، فأمروا مَنْ قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوهم جميعًا في آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكرهم الله عَزَّ وَجَلَّ".

٢٢ - {أُولَئِكَ} المتصفون بالصفات المذكورة القبيحة هم {الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}؛ أي: بطلت محاسن أعمالهم في الدارين. أمَّا بطلانها في الدنيا فبإبدال المدح بالذم، والثناء باللعن، وبما ينزل بهم من القتل والسبي وأخذ المال منهم غنيمةً والاسترقاق لهم إلى غير ذلك من الذل الظاهر فيهم. وأما بطلانها في الآخرة فبإزالة الثواب إلى العقاب، وقيل: بطلان العمل هو أن لا يقبل في الدنيا؛ ولا يجازى عليه في الآخرة. {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} من عذاب الله في إحدى الدارين؛ أي: ليس لهم من ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابه.

٢٣ - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} استفهام تعجيب للنبي، أو لكل من تتأتى منه الرؤية من حال أهل الكتاب وسوء صنيعهم، وتقرير لما سبق من أن اختلافهم إنما كان بعد ما جاءهم العلم بحقيقته؛ أي: ألم تنظر يا محمَّد إلى سوء صنيع الذين أوتوا وأعطوا نصيبًا في الكتاب؛ أي: حظًّا عظيمًا من علم التوراة،


(١) ابن كثير.