في القرآن ما فيه كفاية وتأس لك بهم، كيف كذبهم قومهم وكيف أنجيناهم ودمرنا قومهم. فقد روي أن سورة الأنعام نزلت بين سورة الشعراء والنمل والقصص وهود والحجر المشتملة على نبأ المرسلين بالتفصيل. وأنت ستكون عاقبة هؤلاء المكذبين لك، كعاقبة المكذبين للرسل، فيرجعون إليك، ويدخلون في الدين الذي أنت تدعوهم إليه طوعًا أو كرهًا.
وكما وعد الله رسله بالنصر .. وعد المؤمنين به في نحو قوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)}، وفي قوله:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} فما بالنا نرى كثيرًا ممن يدَّعون الإيمان في هذا الزمان غير منصورين، فلا بد إذًا من أن يكونوا في إيمانهم غير صادقين، ولأهوائهم متبعين، ولسنته في أسباب جاهلين، فالله لا يخلف وعده ولا يبطل سننه، بل ينصر المؤمن الصادق الذي يتحرى الحق والعدل في حربه، لا الظالم الباغي من خلقه، والذي يقصد إعلاء كلمة الله ونصر دينه، كما جاء في قوله:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧)}.
٣٥ - {وَإِنْ كَانَ} الشأن {كَبُرَ} وشق وعظم {عَلَيْكَ} يا محمد {إِعْرَاضُهُمْ} وإبائهم عن الإيمان بما جئت به من القرآن، وأحببت أن تجيبهم إلى ما سألوه. {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ} وقدرت {أَنْ تَبْتَغِيَ} وتطلب {نَفَقًا} ومنفذًا وسربًا {فِي الْأَرْضِ}؛ أي: أن تتخذ منفذًا تنفذ به إلى جوف الأرض، والنفق: سرب في الأرض تخلص منه إلى مكان آخر.
وقرأ نبيح الغنوي:{أن تبتغي نافقاء} والنافقاء ممدودًا: هو أحد مخارج جحر اليربوع.
{أَوْ} تبتغي {سُلَّمًا} ومصعدًا ترتقي به {فِي السَّمَاءِ فَتَأتِيَهُمْ بِآيَةٍ} ومعجزة من جنس ما اقترحوه وطلبوه منك من تحت الأرض، أو من فوق السماء .. فأفعل ذلك، ولكنك لا تستطيع ذلك، فدع الحزن:{فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}.