وفي الآية بشارة للرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤكدة للتسلية بأن الله تعالى سينصره على المكذبين الظالمين من قومه، وعلى كل من يكذبه ويؤذيه من أمة الدعوة، كما أنَّ فيها إيماءً إلى حسن عاقبة الصبر، فمن كان أصبر .. كان حقيقًا بالنصر إذا تساوت بين الخصمين وسائل الغلب والقهر.
والمعنى: أن (١) هذا الذي وقع من هؤلاء إليك ليس هو بأول ما صنعه الكفار مع من أرسله الله إليهم، بل وقع التكذيب لكثير من الرسل المرسلين من قبلك، فاقتد بهم، ولا تحزن، واصبر كما صبروا على ما كذبوا به وأوذوا، حتى يأتيك نصرنا كما أتاهم، فإنا لا نخلف الميعاد، ولكل أجل كتاب {وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ}؛ أي: لا مغير ولا ناقض لحكمه وقضائه تعالى، وقد حكم الله سبحانه وتعالى بنصر الأنبياء في نحو قوله:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا}، وقوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)}؛ أي: فإن وعد الله إياك بالنصر حق وصدق، ولا يمكن تطرق الخلف والتبديل إليه، بل وعده كائن، وأنت منصور على المكذبين ظاهر عليهم، وقد كان ذلك فللَّه الحمد.
والحاصل: أن كلمات الله لا يمكن أن يبدلها مبدل، فنصر الرسل حتم لا بد منه، والتبديل: جعل شيء بدلًا من شيء آخر، وتبديل الكلمات والأقوال نوعان:
١ - تبديل ذاتها بجعل قول مكان قول، وكلمة مكان أخرى، ومن هذا قوله تعالى:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}.
٢ - تبديل مدلولها ومضمونها، كمنع نفاذ الوعد والوعيد، أو وقوعه على خلاف القول الذي سبق، وهذا الأخير هو المراد هنا.
ثم أكد سبحانه عدم التبديل بقوله:{وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ}؛ أي: وعزتي وجلالي قد جاءك يا محمد من خبر المرسلين الذي قصصناه عليك من قبل