للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ابن أبي ليلى، فإنه أقرَّ الميم على حركتها.

ومعنى الآية: أي والله (١) جعلكم تعلمون ما لا تعلمون، بعد أن أخرجكم من بطون أمهاتكم، فرزقكم عقولًا تفقهون بها، وتميزون الخير من الشر، والهدى من الضلال، والخطأ من الصواب، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به فيما بينكم، والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص، فتتعارفون وتميزون بعضها من بعض، والأشياء التي تحتاجون إليها في هذه الحياة، فتعرفون السبل وتسلكونها للسعي على الأرزاق والسِّلع، لتختاروا الجيد، وتتركوا الردي، وهكذا جميع مرافق الحياة ووجوهها، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ أي: إرادة أن تشكروه باستعمال نعمه فيما خلقت لأجله، وتتمكنوا بها من عبادته تعالى، وتستعينوا بكل جارحة وعضو على طاعته.

٧٩ - ثم ذكر سبحانه دليلًا آخر على كمال قدرته فقال: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ} والاستفهام فيه تقرير (٢) لمن ينظر إليهن، وتعجيب من شأنهن، والطير جمع طائر؛ أي: ألم ينظر هؤلاء المشركون من قومك بأبصارهم إلى الطير ليستدلوا بها على قدرة الله تعالى حالة كونها {مُسَخَّرَاتٍ}؛ أي: مذللات للطيران بما خلق الله لهن من الأجنحة والأسباب المساعدة لهن، كرقة (٣) قوام الهواء، وإلهامها بسط الجناح وقبضه، كما يفعل السابح في الماء {فِي جَوِّ السَّمَاءِ}؛ أي: مذلَّلات للطيران في الهواء، بين السماء والأرض، وإضافته إلى السماء لما أنه في جانبها من الناظر، والجو الفضاء الواسع بين السماء والأرض، وهو الهواء، قال كعب الأحبار: إن (٤) الطير ترتفع في الجو مسافة اثني عشر ميلًا، ولا ترفع فوق ذلك {مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الجو عن السقوط {إِلَّا اللَّهُ} عَزَّ وَجَلَّ بقدرته الباهرة، فإن ثقل أجسادها مع رقة الهواء يقتضي سقوطها، إذ لا علاقة من فوقها، ولا دعامة من تحتها تمسكها، ولو سلبها ما أعطاها من قوة الطيران .. لم تقدر على النهوض


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) الخازن.