للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{الْأَبْصَارَ} لتبصروا بها عجائب مصنوعاته وغرائب مخلوقاته، فتستدلوا بها على وحدانيته، جمع بصر، وهي محركة حسِّ العين، {و} جعل لكم {الْأَفْئِدَةَ} لتعملوا بها، وتفهموا معاني الأشياء التي جعلها دلائل وحدانيته تعالى، جمع فؤاد، وهو (١) وسط القلب، وهو من القلب كالقلب من الصدر، وهو من جموع القلة التي جرت مجرى جموع الكثرة.

قال في "بحر العلوم": استعملت في هذه الآيات وفي سائر آيات وردت فيها في الكثرة؛ لأن الخطاب في جعل لكم، وأنشأ لكم عام، والمعنى: جعل لكم هذه الأشياء آلات تحصلون بها العلم والمعرفة، بأن تحسوا بمشاعركم جزئيات الأشياء، وتدركوها بأفئدتكم، فتتنبهوا لما بينها من المشاركات والمباينات بتكرر الإحساس، فيحصل لكم علومٌ بديهية، تتمكنون بالنظر فيها من تحصيل الكسبية.

واعلم: أن قوله: {وَجَعَلَ} عطف على {أَخْرَجَكُمْ}، وليس فيه دلالة على تأخر الجعل المذكور عن الإخراج، لما أن مدلول الواو وهو الجمع مطلقًا لا الترتيب، على أن أثر ذلك الجعل لا يظهر قبل الإخراج كما في "الإرشاد"، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ أي: لكي تشكروا الله تعالى على نعمة هذه الآلات، وشكرها استعمالها فيما خلقت لأجله، من استماع كلام الله تعالى، وأحاديث رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحكم أوليائه، وما ليس فيه ارتكاب منهي، ومن النظر إلى آيات الله سبحانه، والاستدلال بها على وجوده ووحدته وعلمه وقدرته، فمن استعملها في غير ما خلقت لأجله .. فقد كفر جلائل نعم الله تعالى، وخان في أماناته.

وقرأ حمزة (٢): {أُمَّهَاتِكُمْ} بكسر الهمزة والميم هنا، وفي النور والزمر والنجم، والكسائي: بكسر الهمزة فيهن، والأعمش: بحذف الهمزة وكسر الميم، وابن أبي ليلى: بحذفها وفتح الميم، قال أبو حاتم: حذف الهمزة رديء، ولكن قراءة ابن أبي ليلى أصوب. انتهى، وإنما كانت أصوب لأن كسر الميم إنما هو لاتباعها حركة الهمزة، فإذا كانت الهمزة محذوفة .. زال الاتباع بخلاف قراءة


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.