خصهما بذلك لما فيهما من المعونة على العبادات، أما الصبر: فهو حبس النفس على احتمال المكاره في ذات الله، وتوطينها على تحمل المشاق في العبادات، وسائر الطاعات، وتجنب الجزع، وتجنب المحظورات، ومنهم من حمل الصبر على الصوم، وفسره به، ومنهم من حمله على الجهاد. وأما الاستعانة بالصلاة: فلأنها يجب أن تفعل على طريق الخضوع والتذلل للمعبود، والإخلاص له. وقيل: استعينوا بالصبر على طلب الآخرة، وبالصلوات الخمس في مواقيتها على تمحيص الذنوب.
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} على مشاق التكاليف، والمصائب بالعون والنصر والتأييد؛ أي: معين وحافظ وناصر للصابرين على ذلك. وفي ذلك ترغيب لعباده سبحانه إلى لزوم الصبر على ما ينوب من الخطوب، فمن كان الله معه لم يخش من الأهوال وإن كانت كالجبال.
ولمَّا قال المنافقون وبعض الناس لشهداء أحد وبدر: مات فلان وفلان، وذهب عنهم نعيم الدنيا ولذاتها .. أنزل الله هذه الآية فقال:
١٥٤ - {وَلَا تَقُولُوا} أيها الناس {لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: في طاعة الله في قتال المشركين وجهادهم لإعلاء كلمة الله؛ أي: لا تقولوا للشهداء: إنهم {أَمْوَاتٌ} كسائر الأموات {بَلْ} هم {أَحْيَاءٌ} أهل الجنة في الجنة يرزقون من التحف؛ أي: بل هم أحياء تصل أرواحهم إلى الجنان، كما ورد:(أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة). أخرجه أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، فهم أحياء من هذه الجهة وإن كانوا أمواتًا من جهة خروج الروح من أجسادهم {وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}؛ أي: لا تعلمون بحياتهم وحالهم، وما هم فيه من النعيم والكرامة.
وعن الحسن: أن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الروح والفرح، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوًا وعشيًّا، فيصل إليهم الوجع. وعن مجاهد: يرزقون ثمر الجنة، ويجدون ريحها، وليسوا فيها.