للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على إيصال النفع إليكم، فالسلطة العليا له تعالى وحده ليس لغيره تأثير فيها ولا تدبير، فإذا أعطى بعض المخلوقات شيئًا من النفع أو التفسير .. فلا يكون ذلك داعيًا لرفعها عن رتبة المخلوقات، وجعلها أربابًا ومعبودات، وكان يجب أن يفطن لذلك العقلاء ويتذكروه؛ لأنه تذكير بما يدركه العقل بالبرهان، ويهدي إليه الوجدان.

٨١ - وبعد أن أبان لهم أنه لا يخاف شركاءهم، بل يخاف الله وحده .. تعجب من تخويفهم إياه ما لا يخاف، وعدم خوفهم مما يجب أن يخاف منه، وقال {وَكَيْفَ أَخَافُ} وأرهب {مَا أَشْرَكْتُمْ} ـوه بربكم من خلقه، فجعلتموه ندًّا له ينفع ويضر {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ}؛ أي: والحال أنكم لا تخافون إشراككم بالله خالقكم {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}؛ أي: حجة بينة بوحي ولا نظر عقل تثبت لكم جعله شريكًا في الخلق والتدبير، أو في الوساطة والشفاعة، فافتياتكم على خالقكم بهذه الدعوى هو الذي يجب أن يخاف ويتقى.

والمعنى (١): وكيف أخاف ما لا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يرزق، والحال أنكم لا تخافون ما صدر منكم من الشرك بالله، وهو الضار النافع الخالق الرازق، أورد عليهم هذا الكلام الإلزامي الذي لا يجدون عنه مخلصًا ولا متحولًا، والاستفهام للإنكار عليهم والتقريع لهم والتعجب من فساد عقولهم، حيث خوفوه خشبًا وحجرًا لا ينفع ولا يضر، وهم لا يخافون عقبى شركهم بالله، وهو الذي بيده النفع والضر والأمر كله. و {مَا} في قوله: {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} مفعول أشركتم؛ أي: ولا تخافون أنكم جعلتم الأشياء التي لم ينزل بعبادتها عليكم سلطانًا شركاء لله، أو المعنى: إن الله سبحانه لم يأذن بجعلها شركاء له، ولا أنزل عليهم بإشراكها حجة يحتجون بها، فكيف عبدوها واتخذوها آلهة، وجعلوها شركاء لله سبحانه وتعالى؟!

والخلاصة (٢): أن ما يدعى لصحة هذا الخوف باطل، وأنه عليه السلام لم


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.