للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}؛ أي: ولا أرهب من آلهتكم التي تدعونها من دون الله سوءًا ينالني في نفسي، ذلك أني أعتقد أنها لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، ولا تقرب ولا تشفع.

قال هذا الكلام لهم لما خوفوه من آلهتهم بأنها ستغضب عليه وتصيبه بمكروه؛ أي: إني لا أخاف ما هو مخلوق من مخلوقات الله لا يضر ولا ينفع. والضمير في: {بِهِ} يجوز أن يعود على الله؛ أي: الذي تشركونه بالله، وأن يعود على {مَا} الموصولة؛ أي: الذي تشركون به الله تعالى {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا}؛ أي: لا (١) أخاف ما تشركون به في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئته تعالى إصابة مكروه لي من جهتها، فإنه لا محالة كما شاء ربي، فإن شاء أن يسقط عليَّ صنم يشجُّني، أو كسف من شهب الكواكب يقتلني، فإن ذلك يقع بقدرة ربي ومشيئته، لا بمشيئة الصنم أو الكواكب، ولا بقدرته ولا بتأثيره في قدرته تعالى وإرادته، ولا بجاهه عنده وشفاعته، إذ لا تأثير لشيء من المخلوقات في مشيئة الله الجارية إلا بما يثبت في علمه الأزلي.

وحاصل المعنى (٢): وحاجه قومه في توحيد الله ونفي الشركاء عنه منكرين لذلك، ومحاجة مثل هؤلاء إنما هي بالتمسك باقتفاء آبائهم تقليدًا، وبالتخويف مما يعبدونه من الأصنام، كقول قوم هود: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} فأجابهم بأن الله قد هداه بالبرهان القاطع على توحيده، ورفض ما سواه، وأنه لا يخاف من آلهتهم. ثم أتى بما هو كالعلة لما قبله، فقال: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}؛ أي: أحاط ربي بكل شيء علمًا، فلا يبعد أن يكون في علمه سبحانه إنزال المكروه بي من جهتها بسبب من الأسباب. والهمزة في قوله: {أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} داخلة على محذوف وهي للاستفهام التقريري والتوبيخي، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: أتعرضون بعد ما أوضحته لكم عن التأمل في أن آلهتكم ليس بيدها نفع ولا ضر، فلا تتذكرون أيها الغافلون أنها غير قادرة على ضري ولا


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.