والخلاصة: أنّه أوتي الهدى فانسلخ منه إلى الضلال، ومال إلى الدنيا، فتلاعب به الشيطان، وكانت عاقبته البوار والخذلان، وخاب في الآخرة والأولى.
١٧٦ - وفي الآية عبرة وعظة للمؤمنين، وتحذير لهم من اتباع أهوائهم، حتى لا ينزلقوا في مثل تلك الهوة التي انزلق إليها صاحب المثل بحبه للدنيا، وركونه إلى شهواتها ولذاتها، {وَلَوْ شِئْنا}؛ أي: ولو أردنا أن نرفعه بتلك الآيات وبالعمل بها إلى درجات الكمال والعرفان {لَرَفَعْناهُ}؛ أي: لرفعنا ذلك المنسلخ {بِها}؛ أي: بتلك الآيات إلى درجات الكمال، ومنازل العلماء الأبرار، بأن نخلق له الهداية خلقا، ونلزمه العمل بها طوعا أو كرها، إذ لا يعجزنا ذلك ولكنه مخالف لسنتنا {وَلكِنَّهُ}؛ أي: ولكن ذلك المنسلخ {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}؛ أي: أراد الخلود في الأرض، وركن إلى الدنيا، ومال إليها، وآثر لذاتها وشهواتها على الآخرة، وأصله من الخلود وهو الدوام والمقام، والأرض هنا عبارة عن الدنيا؛ لأنّ الأرض عبارة عن المفاوز والقفار، وفيها المدن والضياع، والمعادن والنبات، ومنها يستخرج ما يعاش به في الدنيا، فالدنيا كلها هي الأرض. ذكره في «الخازن»{وَاتَّبَعَ هَواهُ}؛ أي: واتبع ما تهواه نفسه، وجعل كل حظه من حياته التمتع من لذائذها الجسدية، ولم يوجه إلى الحياة الروحية عزما، وركب رأسه فلم يراع الاهتداء بشيء مما آتيناه من آياتنا، فخسر دنياه وآخرته، ووقع هاوية الردى والهلاك وانحط في أسفل سافلين، وقيل: المعنى: اتبع رضا زوجته، وكانت هي التي حملته على الانسلاخ من آيات الله تعالى.
وخلاصة ذلك (١): أنّ من شأن من يؤتى الآيات أن تسمو نفسه وتصعد في سلم الكمال، لما فيها من الهداية إلى سبيل الخير الحاضة على العمل النافع، وما فيه فائدة روحية له، على شريطة أن يتلقاها بعزيمة ونية صادقة، كما جاء في الحديث:«إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكل امرىء ما نوى». أما من تلقاها بغير