للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قصد أو بنية كسب المال والجاه، وفي نفسه ما يصرفه عنها .. فلن يستفيد منها شيئا، وسرعان ما ينسلخ منها.

وهذه الآية من أشد الآيات على العلماء الذين يريدون بعلمهم الدنيا، وشهوات النفس، ويتبعون الهوى، وذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى خص هذا الرجل بآياته وحكمته، وعلمه اسمه الأعظم، وجعل دعاءه مستجابا، ثم إنّه لما اتبع هواه، وركب إلى الدنيا، ورضي بها عوضا عن الآخرة .. نزع منه ما كان أعطيه، وانسلخ من الدين، فخسر الدنيا والآخرة، ومن الذي يسلم من الميل إلى الدنيا واتباع الهوى إلا من عصمه الله بالورع، وثبته بالعلم، وبصره بعيوب نفسه.

وعن كعب بن مالك الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» أخرجه الترمذي. ثم ضرب الله تعالى مثلا لهذا الرجل الذي آتاه آياته فانسلخ منها واتبع هواه فقال: {فَمَثَلُهُ}؛ أي: مثل هذا المنسلخ عن آيات الله تعالى وصفته في الدناءة والخسة، ولزوم حاله له {كَمَثَلِ الْكَلْبِ}؛ أي: كصفة الكلب الذي صار لهث اللسان طبيعة له {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ} أيها المخاطب؛ أي: إن تزجره وتطرده {يَلْهَثْ}؛ أي: يخرج لسانه مع التنفس الشديد {أَوْ تَتْرُكْهُ}؛ أي: تترك ذلك الكلب غير مطرود {يَلْهَثْ}؛ أي: يخرج لسانه مع التنفس؛ أي: (١) إن شددت عليه وأجهدته لهث، أو تركته على حاله لهث، لأن اللهث طبيعة أصلية فيه، فكذلك حال الحريص على الدنيا، إن وعظته .. فهو حرص لا يقبل الوعظ ولا ينجع فيه، وإن تركته ولم تعظه .. فهو حريص أيضا؛ لأن الحرص على طلب الدنيا صار طبيعة له لازمة، كما أن اللهث طبيعة لازمة للكلب اه. «خازن».

وعبارة الشوكاني هنا قوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ}؛ أي: (٢) فصار لما انسلخ عن الآيات ولم يعمل بها منحطا إلى أسفل رتبة، مشابها لأخس الحيوانات في الدناءة، مماثلا له في أقبح أوصافه، وهو أنه يلهث في كلا حالتي قصد


(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.