الإنسان له وتركه فهو لاهث، سواء زجر أو ترك، طرد أو لم يطرد، شد عليه أو لم يشد عليه، وليس بعد هذا في الخسة والدناءة شيء، وجملة قوله:{إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} في محل النصب على الحال؛ أي: مثله كمثل الكلب حال كونه متصفا بهذه الصفة، والمعنى: إن هذا المنسلخ عن الآيات لا يرعوى عن المعصية في جميع أحواله سواء وعظه الواعظ، وذكره المذكر، وزجره الزاجر، أو لم يقع شيء من ذلك، قال القتيبي: كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش، إلا الكلب؛ فإنّه يلهث في حال الكلال، وحال الراحة، وحال المرض، وحال الصحة وحال الري، وحال العطش، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته، فقال: إن وعظته ضل، وإن تركته ضل، فهو كالكلب، إن تركته لهث، وإن طردته لهث كقوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣)}، واللهث: إخراج اللسان لتعب أو عطش، أو غير ذلك مع التنفس الشديد، وقيل معنى الآية: إنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هاربا، وإن تركته شد عليك ونبح فيتعب نفسه مقبلا عليك، ومدبرا عنك، فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان. انتهت.
والمعنى (١): أن هذا الرجل كالكلب في صفته هذه، وهي أقبح حالاته وأخسها، فهو لإخلاده وميله إلى الدنيا واتباعه هواه يكون كذلك في أسوء حال، فهو في هم دائب، وشغل شاغل في جمع عرض الدنيا وزخرفها - يعني بخسيس أمورها وجليلها - كشأن عباد الأهواء وطلاب الأموال، ترى المرء منهم كاللاهث من الإعياء والتعب، وإن كان ما يعنى به حقيرا لا يتعب ولا يعيي، وتراه كلما أصاب سعة وبسطة في الدنيا .. زاد طمعا فيها كما قال الأول:
فما قضى أحد منها لبانته ... ولا انتهى أرب إلّا إلى أرب
والإشارة بقوله:{ذلِكَ} إلى ما تقدم من التمثيل بتلك الحالة الخسيسة، وهو مبتدأ خبره قوله:{مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا}؛ أي: ذلك المثل الخسيس مثل القوم؛ أي: تلك الصفة الخسيسية الدنيئة المذكورة في المنسلخ عن