للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَقْرٌ} لبيان محل الوقر، وهو أوفق لقوله: {وَهُوَ}؛ أي: القرآن {عَلَيْهِمْ}؛ أي: على الكفار المعاندين {عَمًى} وذلك لتصاممهم عن سماعه، وتعاميهم عما يريهم من الآيات، وهو بفتح الميم المنونة؛ أي: ذو عمى على معنى عميت قلوبهم عنه، وهو مصدر عمي يعمى كعلم كما سيأتي. وفي "المفردات": محتمل لعمى البصر والبصيرة جميعًا.

وقرأ الجمهور (١): {عَمًى} بفتح الميم منونًا على أنه مصدر عمي، وقرأ ابن عباس وعبد الله بن الزبير وابن عمر ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وابن هرمز: {عم} بكسر الميم وتنوينه على أنه اصم منقوص وصف به مجازًا، وقرأ عمرو بن دينار (٢): بكسر الميم وفتح الياء على أنه فعل ماض، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى لقوله أولًا: {هُدًى وَشِفَاءٌ} ولم يقل: هاد وشاف.

والمعنى: أي والذين لا يؤمنون بالله ورسوله، وبما جاءهم به من عنده في آذانهم ثقل عن استماع هذا القرآن، فلا يستمعون له، بل يعرضون عنه، وهو عليهم عمًى، فلا يبصرون حججه ومواعظه، ونحو الآية قوله في وصفه: {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}.

ثم مثل حالم باعتبار عدم فهمهم له بحال من ينادى من مكان بعيد لا يسمع من يناديه، فقال: {أُولَئِكَ} البعداء الموصوفون بما ذكر من التصامم عن الحق الذي يستمعونه، والتعامي عن الآيات الظاهرة التي يشاهدونها {يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} تمثيل لهم في عدم قبولهم واستماعهم للقرآن، بمن ينادى ويصاح به من مسافة بعيدة، لا يكاد يسمع من مثلها الأصوات.

قال الفراء: تقول للرجل الذي لا يفهم كلامك: أنت تنادى من مكان بعيد، ولثاقب الرأي إنك لتأخذ الأمور من مكان قريب، وقال مجاهد: من مكان بعيد من قلوبهم، وقال الضحاك: ينادون القيامة بأقبح أسمائهم من مكان بعيد؛ يعني: يقال: يا فاسق يا منافق يا كذا ويا كذا، فيكون ذلك أشد لتوبيخهم وخزيهم.

٤٥ - ثم بين أن هؤلاء المكذبين ليسوا بدعًا بين الأمم في تكذيبهم بالقرآن، فقد


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.