للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لما بعد النفي، أي: بلى يبعثهم الله تعالى بعد الموت {وَعْدًا} مصدر مؤكد لنفسه، وهو ما دل عليه بلى، فإن البعث موعد من الله تعالى {عَلَيْهِ} إنجازه لامتناع الخلف في وعده، أو لأن البعث مقتضى حكمته {حَقًّا} صفة أخرى للوعد، والتقدير: بلى يبعثهم الله وعد بذلك وعدًا حقًّا واجبًا عليه إنجازه بمقتضى حكمته، وقيل هما مصدران مؤكدان للجملة المقدرة؛ أي: وعد (١) ذلك وعدًا ثابتًا عليه، وحق ذلك حقًّا، أي: ثبت ذلك ثبوتًا على الله، فينجزه لامتناع الخلف في وعده {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ}؛ أي: أهل مكة {لَا يَعْلَمُونَ} أنهم يبعثون، وأن ذلك يسير عليه سبحانه، غير عسير، لقصور نظرهم بالمألوف، فيتوهمون امتناع البعث، ولجهلهم بشؤون الله تعالى، من العلم والقدرة والحكمة وغيرها من صفات الكمال، وعدم وقوفهم على سرِّ التكوين.

وقرأ الضحاك (٢): {بلى وعد عليه حق} والتقدير: بعثهم وعد عليه حق، وحق صفة لوعد، والمعنى؛ أي: بلى (٣) سيبعثه الله بعد مماته، وقد وعد ذلك وعدًا حقًّا لا بد منه، ولكن أكثر الناس لجهلهم بشؤون الله وصفات كماله، من علم وقدرة وحكمة ونحوها، يعلمون أن وعد الله لا بد من نفاذه، وأنه باعثهم بعد مماتهم يوم القيامة أحياء، ومن قبل هذا جرؤوا على مخالفة الرسل، ووقعوا في الكفر والمعاصي.

٣٩ - ثم ذكر سبحانه الحكمة في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد فقال: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} و {اللام} متعلقة بـ {يبعثهم} المقدر بعد بلى، أي: بلى يبعث الله كل من يموت مؤمنًا كان أو كافرًا، ليبين لمنكري البعث، وقوله: {الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} في موضع نصب على أنه مفعول يبين؛ أي: ليبين للمشركين الذين ينكرون البعث الأمر الذي يختلفون فيه مع المؤمنين، من أمر الدين بتعذيبهم، وإثابة المؤمنين، مما جاءت به الرسل وخالفتهم فيه أممهم، فيمتاز الخبيث من


(١) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.