للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مضمرون له، وهو الهزء والسخرية بك، وبالقرآن، وبقولهم حين هم متناجون، متحدّثون فيما بينهم من قول بعضهم: إنه مجنون، وبعضهم إنه كاهن، وقوله: {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} بدل من إذ هم نجوى، ووضع {الظَّالِمُونَ} موضع المضمر؛ للدلالة على أنّ هذا القول منهم ظلم، وتجاوز عن الحد، وفيه: دليل على أن من يتناجون به غير ما يستمعون به؛ أي: نحن أعلم إذ يقول الظالمون بعضهم لبعض عند تناجيهم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ}؛ أي: ما تتبعون إن وجد منكم الاتباع فرضًا {إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}؛ أي: إلا رجلًا سحر فجن، فمن ظلمهم وضعوا اسم المسحور موضع المبعوث.

والمعنى: أي نحن (١) أعلم بالغرض الذي يستمعون إليك لأجله، وهو الهزء، والسخرية، والتكذيب حين استماعهم، وأعلم بما يتناجون به، ويتسارون به، فبعضهم يقول: مجنونٌ، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: ما اتبعتم إلّا رجلًا قد سحر فاختلط عليه عقله، وزال عن حد الاستواء، وهل من خير لكم في اتباع أمثاله المجانين

٤٨ - {انْظُرْ} يا محمد؛ أي: تأمّل، وفكّر أيها الرسول {كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ}؛ أي: كيف جعلوا لك الأشباه ومثّلوا لك الأمثال حيث شبهوك بالمسحور مثلًا، فقالوا: هو مسحور، وهو شاعر مجنون، {فَضَلُّوا} في كل ذلك عن سواء السبيل. {فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} إلى طريق الحق لضلالهم عنه، وبعدهم منه، والاستفهام فيه للتعجيب، فكأنّه قال: تعجب من ضربهم الأمثال لك، وفي هذا من الوعيد وتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما لا يخفى.

والمعنى: فضلّوا عن طريق الصواب في جميع ذلك القول، فلا يستطيعون سبيلًا وطريقًا موصلًا إلى الطعن الذي تقبله العقول، ويقع التصديق له، لا أصل الطعن، فقد فعلوا منه ما قدروا عليه، أو فضلّوا (٢) عن الحق، والرشاد، فلا يستطيعون سبيلًا إليه؛ لأنهم بالغوا في الضلالة والإنكار، وكانوا مستمعين بالهوى، فيستمعون الأساطير، والسحر، والشعر، ولو استمعوا كلام الله،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.