للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ ابن عباس وعمرو بن فائد (١): {مذبذبين} بكسر الذال الثانية، جعلاه اسم فاعل؛ أي: مذبذِبين أنفسهم، أو دينهم، أو بمعنى متذبذبين، كما جاء صلصل وتصلصل بمعنى واحد، وقرأ أبي {متذبذبين} اسم فاعل من تذبذب؛ أي: اضطرب، وكذا في مصحف عبد الله، وقرأ الحسن: {مذبذبين} بفتح الميم والذالين، قال ابن عطية: وهي قراءة مردودة انتهى، والحسن البصري من أفصح الناس، يحتج بكلامه، فلا ينبغي أن ترد قراءته ولها وجه في العربية، وهو أنه أتبع حركة الميم حركة الذال، وقرأ أبو جعفر: {مدبدبين} بالدال غير معجمة، كان المعنى أخذتهم تارة بدبة وتارة في دبة، فليسوا ماضين على دبة واحدة، والدبة الطريقة.

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة". متفق عليه. قوله كمثل الشاة العائرة - بالعين المهملة - ومعناه: المتحيرة المترددة، لا تدري لأي الغنمين تتبع، ومعنى تعير تتردد وتذهب يمينًا وشمالًا مرة إلى هذه ومرة إلى هذه، لا تدري إلى أين تذهب، وهذا مثل المنافق مرة مع المؤمنين ومرة مع الكافرين، أو ظاهره مع المؤمنين وباطنه مع الكافرين.

١٤٤ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ وبرسوله سرًّا وعلانية {لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ}؛ أي: المجاهرين بالكفر {أَوْلِيَاءَ}؛ أي: أنصارا وأصدقاء {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} المخلصين، كما فعل المنافقون، {أَتُرِيدُونَ} يا معشر المؤمنين المخلصين {أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ} باتخاذكم الكفار أولياء من دون المؤمنين {سُلْطَانًا مُبِينًا}؛ أي: حجة واضحة على استحقاقكم العذاب؛ إذا اتخذتموهم أولياء من دون المؤمنين، فإن عملًا كهذا لا يصدر إلا من منافق، والاستفهام فيه للتقريع والتوبيخ، والمراد (٢) بالولاية هنا النصرة بالقول أو بالفعل، بما يكون فيه ضرر


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.