للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أضحك في الدنيا أهل النعمة، وأبكى أهل الشدة والمصيبة، أو أضحك في الجنة أهلها، وأبكى في النار أهلها. أو أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر، أو أضحك الأشجار بالأنوار، والسحاب بالأمطار، أو القراطيس بالأرقام والأقلام بالمداد، أو أضحك القرد، وأبكى البعير، أو أضحك بالوعد، وأبكى بالوعيد، أو أضحك المطيع بالرضى، وأبكى العاصي بالسخط، أو أضحك الأسنان، وأبكي الجنان. أو بالعكس. قال الشاعر:

السِّنُّ تَضْحَكُ وَالأَحْشَاءُ تَحْتَرِقُ ... وَإِنَّمَا ضِحْكُهَا زُوْرٌ وَمُخْتَلَقُ

يَا رُبَّ بَاكٍ بِعَيْنٍ لَا دُمُوْعَ لَهَا ... وَرُبَّ ضَاحِكِ سِنٍّ مَا بِهِ رَمَقُ

والمعنى (١): أي وأنه خلق في عباده الضحك والبكاء، وسببهما. والمراد: أنه خلق ما يسر وما يحزن من الأعمال الصالحة والأعمال الطالحة.

٤٤ - {وَ} مما في صحفهما {أَنَّهُ} سبحانه {هُوَ} وحده {أَمَاتَ وَأَحْيَا}؛ أي: قضى أسباب الموت والحياة، ولا يقدر على ذلك غيره لا خلقًا، ولا كسبًا. فإن أثر القاتل هو نقض البنية، وتفريق الاتصال، وإنما يحصل الموت عنده بفعل الله سبحانه على العادة. فللعبد نقض البنية كسبًا دون الإماتة. وقيل: خلق نفس الموت والحياة كما في قوله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}. وقيل: أمات الآباء، وأحيا الأبناء. وقيل: أمات في الدنيا، وأحيا للبعث. وقيل: المراد بما: النوم واليقظة. وقال عطاء: أمات بعدله، وأحيا بفضله، وقيل: أمات الكافر، وأحيا المؤمن كما في قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}.

٤٥ - {وَ} مما في صحفهما {أَنَّهُ} سبحانه {خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} أي: الصنفين {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} بدل من الزوجين. وفي بعض التفاسير من كل الحيوان. وفيه (٢) أن كل حيوان لا يخلق من النطفة، بل بعضه من الريح كالطير؛ فإن البيضة المخلوقة منها الدجاجة مخلوقة من ريح الديك. ولا يدخل في ذلك آدم وحواء. فإنهما لم يخلقا من النطفة.

٤٦ - {مِنْ نُطْفَةٍ} متعلق بخلق. هي الماء الصافي، ويعبر بها عن ماء الرجل كما في


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.