للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويفوته شيء من الأشياء كائنًا ما كان فيهما، {إِنَّهُ} سبحانه، {كَانَ عَلِيمًا}؛ أي: بليغ العلم بكل شيء في العالم مما وجد ويوجد {قَدِيرًا}؛ أي: بليغ القدرة على كل ممكن، ولذلك علم بجميع أعمالهم السيئة، فعاقبهم بموجبها، فمن كان قادرًا على معاقبة من قبلهم كان قادرًا على معاقبتهم إذا كانت أعمالهم مثل أعمالهم، أي: إنه تعالى عليم بمن يستحق أن تعجل له العقوبة، ومن قد تاب وأناب إلى ربه، ورجع عن ضلالته، قدير على الانتقام ممن شاء منهم، وعلى توفيق من أراد بالإيمان.

والإشارة في الآية أنه ما خاب له تعالى وليٌ، ولا ربح له عدوٌ فقد وسع لأوليائه فضلًا كثيرًا، ودمرَّ على أعدائه تدميرًا، وسبب الفضل والولاية هو التوحيد، كما أن سبب القهر والعداوة هو الشرك، وأن الله تعالى أمهل عباده، ولم يأخذهم بغتة، ليروا أن العفو والإحسان أحب إليه من الأخذ والانتقام، وليعلموا شفقته وبره وكرمه، وأن رحمته سبقت غضبه.

٤٥ - ولما كان المشركون يستعجلون بالوعيد استهزاء، فيقولون: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ...} بيَّن أنه لا يعاجلهم بالعقوبة على ما كسبوا لعلّهم يُنيبون أو ينيب بعضهم إلى ربه، ويؤوب إلى رشده فقال: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ} سبحانه {النَّاسَ} جميعًا، ويعاقبهم {بِمَا كَسَبُوا} من الذنوب، وعملوا من الخطايا، {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا}؛ أي: على ظهر الأرض ووجهها، والكناية راجعة إلى الأرض، وإن لم يسبق لها ذكر؛ لكونها مفهومة من المقام، وقال أبو حيان: وتقدَّم الكلام على نظير هذه الآية في سورة النحل، وقال هناك: {عَلَيْهَا}، وهنا قال: {عَلَى ظَهْرِهَا}، والضمير عائد على الأرض، إلا أن هناك يدل عليه سياق الكلام، وهنا يمكن أن يعود على ملفوظ به، وهو قوبه: {فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}، وقال هناك: {بِظُلْمِهِمْ} وقال هنا: {بِمَا كَسَبُوا} انتهى. وفي "الجمل" وهنا قال: {عَلَى ظَهْرِهَا} استعارة من ظهر الدابة دلالة على التمكن والتقلب عليها، والمقام هنا يناسب ذلك؛ لأنه حث على السير للنظر والاعتبار، والله سبحانه وتعالى أعلم بأسرار كتابه.

فإن قيل: كيف يقال لما عليه الخلق وجه الأرض وظهر الأرض، مع أن الظهر مقابل الوجه، فهو من قبيل إطلاق الضدين على شيء واحد؟.

قلتُ: صح ذلك باعتبارين: فإنه يقال لظاهرها: ظهر الأرض من حيث أن